نور الهدى مؤسس §®¤ المنتدى§®¤
الجنس : عدد المساهمات : 505 تاريخ التسجيل : 21/03/2012 العمر : 34
| موضوع: تأملات في سورة البقرة ج1 الجمعة أبريل 20, 2012 3:54 pm | |
| [center]تأملات في سورة البقرة ج1
الشيخ صالح بن عواد المغامسي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا , و أشهد أن لا إله إلا الله وحدة لا شريك له خلق فسوى وقدر فهدى وأخرج المرعى فجعله غثاءً أحوى وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين أمـــا بــعـــــد
أيها الإخوة المؤمنون السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جميع العلوم تفيء إلى القرآن الكريم نذكر بأمور وهي أن القرآن أم العلوم كلها وأن الإنسان إذا قدر له أن يفقه كتاب الله أصبح بيده مقاليد العلم كلها ذلك أن جميع العلوم تفيء إلى القران على أننا ونحن نشرح قد نطيل الوقف عند آية ونتجاوز أية أخرى على هيئة أسرع والمقصود أن الآيات تتفاوت فيما نريد إيصاله لك كطالب علم في المقام الأول . وقد نقل الشيخ عطية محمد سالم رحمه الله عن شيخه الإمام الشنقيطي صاحب كتاب أضواء البيان رحمه الله نقل عنه انه سئل الشيخ "أي الشيخ عطية سأل الشيخ محمد الأمين عندما كان يفسر القران في مسجد رسول الله صلى الله علية وسلم قال له: إنك رجل ذو باع عظيم في العلم فلماذا اخترت التفسير دون سائر العلوم مع قدرتك على إتيان كثير من المسائل وشرحها ؟ فقال الشيخ ـ رحمه الله ـ وهو العارف بكتاب الله قال : إن العلوم كلها تفيء إلى القران أو نحو ذلك من المعنى والمقصود إن هناك مسائل في العقيدة ومسائل في الفقه ومسائل في التربية ومسائل في الدعوة متنوعة متعددة نقف عند كثير منها قدر المستطاع ونحاول أن نكثر من بعضها ونقلل من بعضها بحسب ما يمليه الموقف وبحسب ما تمليه الآية كما أننا نخاطب في المقام الأول طلبة العلم فلذلك قد لا يغلب الوعظ على الدرس كله وإن كان لابد منه ولكن المقصود أن مما يعين طالب العلم على طلب العلم بعد الاستعانة بالله إن يجد مادة علمية يعقد عليها خنصره وبنصره فإذا وجد شيء يعقد عليه وزاد الكم الذي يأخذه مع مراجعته إياه استمر في الطريق ولكن إن وجد طالب العلم نفسه يقول ويكرر مسائل معدودة بعينها تمر عليه الشهور والأيام وهو مازال رهين مسائل معدودة أصابه سآمة وملل من العلم نفسه وهذا ما نحاول قدر الإمكان تلافيه . هذا التأصيل أحببت أن أبينه قبل الشروع في التفسير ....
حقيقة البعث والنشور يبين الله جل وعلا في قوله في سورة البقرة " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{21} الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ{22} " قلنا المناسبة :. إن الله لما ذكر أصناف الخلق الثلاثة ( المراد بهم المؤمنون , الكفار , المنافقون ) خاطبهم أجمعين بعبارة " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ . . . إلى آخر الآيتين " أراد الله من هذا أن يبين حقيقة البعث والنشور. و ذكر في هذه الآيتين ثلاثة براهين على وجود البعث والنشور البرهان الأول: هو ( الإيجاد و الخلق الأول ) وهذا بقوله " اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ " ومعلوم قطعاً أن من قدر على الخلق الأول قادر على الخلق الثاني وهذا بينة الله في غير سوره . وقلنا نحن نبين لك كيف تفسر كتاب الله لا نريد أن نلقن وتحفظ كيف تفسر كتاب الله , هذه الطريقة بينها الله في أشياء عدة قال الله جل وعلا في سورة يس : " وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ " وقال أيضاً في سورة الإسراء : " فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ " فالاتكاء في الدليل على الإيجاد الأول هذا أول البراهين على أن هناك بعث ونشور . البرهان الثاني: ( ذكر ما هو أعظم من خلق الإنسان) , وفائدة الذكر أن من قدر على خلق الأعلى قادر على أن يخلق ما هو دونه , والله جل وعلا خلق السموات والأرض فمن باب أولى هو قادر على أن يحي الناس بعد موتهم ودليل هذا في القران في سورة فاطر " لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ " وقوله في سورة يس : "أَوََلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ " البرهان الثالث : ( القياس ) و أن الله جل وعلا قال " وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ " فالأرض كونها ميتة وينزل عليها من السماء "أي من السحاب "مطراًً فتحيى من جديد هذا يدل على أن من أحياها قادراً على أن يكون على يديه البعث والنشور وهذا يفسره القرآن قال الله جل وعلا في سورة فصلت : " وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " فبين سبحانه بأنه القادر على أن يحي الأرض بعد موتها قادر بقدرته وعظمته وجبروته وعزته وسلطانه على أن يحي الناس ويعيدهم بعثاً ونشوراً بعد أن كانوا أمواتاً . فاجتمعت في هاتين الآيتين ثلاثة براهين على إثبات حقيقة البعث والنشور
هذا التفسير المجمل للآيتين. أما التفسير التفصيلي مما يتعلق بالمفردات وغيرها فقوله جل وعلا " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " هذا تلازم مابين العبادة والتقوى فالعبد إذا عبد الله فقد اتقاه وإذا اتقاه فقد عبده " لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{21} الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً " أي تطئون عليها ممهدة ميسرة وهذا ظاهر لكل ذي عينين " وَالسَّمَاء بِنَاء" الأصل أن السماء في اللغة كل ما أضلك فهو سماء وأرضك كل مكرمة بنتها *** بنو تيم وأنت لها سماء أي وأنت لها سقف , كل ما أضلك فهو سماء لكن المقصود بالآية هنا السماوات السبع وسيأتي تفصيلها في آيات أخرى , " وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ " السماء هنا ليس المقصود بها السموات السبع المقصود به السحاب بالقرينة الموجودة وهو أن المطر ينزل من السحاب , " وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ " الباء هنا سببية أي فأخرج لك بسبب الماء من الثمرات رزقاً لكم فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعمون لما قال الله جل وعلا هذه البراهين الثلاثة التي تدل على قدرته وعلى ربوبيته وعلى أنه لا ريب غيره ولا إله سواه قال مطالباً عباده بقوله " فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً " . الند هو الشريك ـ المثيل ـ النظير ولا يوجد لله شريك ولا ند ولا مثيل ولا نظير" لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ " لذلك ما بني الدين إلا أنه لا يعبد إلا الله وما أرسلت الرسل وما أنزلت الكتب وما أُقيمت الموازين ولا نصبت البراهين إلا ليعبد الله وحده دون سواه من أجل هذا خلق الله جلا وعلا الخلق كلهم قال سبحانه في سورة الذاريات : " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ{56} مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ{57} إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ " .
أكبر الكبائر ** " فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ " قبل أن تتلوها لا تفهم أن " وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ " هذه متعلقة " فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً " لأنك إذا علقت " فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ " ونسيت أن هناك محذوف يصبح مفهوم الآية في ذهنك لا تجعل لله أنداداً وأنت تعلم كأنك تقول يجوز أن تجعل لله نداً وأنت لا تعلم , قطعاً ليس هذا المقصود لكن المعنى " ولا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون يقيناً أنه ليس له أنداداً " فهناك مفعول به للفعل تعلمون حذف لدلالة المعنى عليه وهذا كثير في القرآن هناك مفعول به محذوف دل عليه المعنى أي لا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون يقيناً أنه ليس لله جل وعلا نداً ولا شريك ولا نظير ولا ظهير ولا نصير ولا أي شيء من ذلك أبداً بل الله واحد أحد فرد صمد ليس له شريك ولا ند ولم يكن له كفواًً أحد " فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ " يفهم من هذا أن الشرك والعياذ بالله أعظم الكبائر وهو الذنب الذي لا يغفره الله أبدا والناس قد لا يكون الشريك الذي اتخذوه صنم يعبد ولا يعبد عزرائيل ولا المسيح ولا غيرهما مما عبده غيره في الجاهلية لكن قد يعبد المرء هواه وقد يعبد المرء شيء آخر لا حاجة للتفصيل وقد يعبد المرء شيء آخر بحيث يصبح هذا الشيء يتعلق به القلب حتى يصرفه عن طاعة الله جل وعلا فهذا قد جعل لله ندا سواء علم أو لم يعلم ولكن لا يقال بكفره كفراً أكبر لأن مسألة التكفير سيأتي الكلام عنها أمر يحتاج إلى تفصيل وإلى تأني وتبين ,
آيات التحدي ثم قال سبحانه " وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين {23} فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ{24} " هذه الآيات تسمى في لغة القرآن آيات التحدي وهي أول آيات التحدي في القرآن حسب ترتيب المصحف وآيات التحدي في القرآن خمس , ومعنى آيات التحدي أن الله جلا وعلا تحدى العرب على فصاحتهم وبلاغتهم أن يأتوا بمثل هذا القران وقلنا إن آيات التحدي في القرآن خمس هذه الآية من سورة البقرة وقوله الله جلا وعلا في آية 38من سورة يونس " أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ " و الآية 13من سورة هود وهي قوله جلا وعلا " أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{13} " و الآية 88 من سورة الإسراء قوله جلا وعلا " قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً{88} " والتحدي الخامس جاء في سورة الطور في الآيتين 33 و 34قال جلا وعلا " أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لَّا يُؤْمِنُونَ{33} فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ{34} " اجتمع بهذا خمس آيات حسب ترتيب المصحف توالى بعضها بعضاً في تحدي كفار قريش .
لماذا التحدي ؟ مسألة التحدي هذه نقول فيها أن العرب كانوا ليس لهم هماً ولا بضاعة إلا بضاعة الكلام نُصبت على ذلك أسواقهم وقامت على ذلك أنديتهم وكانوا أهل بلاغة وفصاحة وشعر وخطابة ليس لهم تباري و لا تنافس ولا نقد إلا في الشعر والخطابة على هذا قامت حياتهم فجاء نبينا صلى الله علية وسلم بالقرآن من عند ربه وهو يقول إن هذا القرآن من عند الله وهذا الكلام كلام الله فكذبوه قائلين إن هذا الكلام من عندك إن هذا إلا أساطير الأولين فلما كذبوه أخبره الله جلا وعلا إن كان هذا القرآن من عندي كما تقولون فأنا بشر مثلكم وعربي مثلكم وأنتم أهل فصاحة وأهل بلاغة فأتوا بمثله أن كنتم صادقين فاستفزهم الله أيما استفزاز وتحداهم أيما تحدٍ قال الله عنهم " فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ " ثم قال " وَلَن تَفْعَلُواْ " ثم ساوهم بالحجارة فقال " فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ " وأخبر أن وقودها الناس والحجارة كل ذلك ليلهب مشاعرهم ويوقظ الهمم فيهم حتى يتحدوا القرآن ومع ذلك أثبتوا عجزهم وأنهم غير قادرين على أن يأتوا لا بآية ولا بجزءْ من آية فضلاً عن سورة أو عشر سور أو عن القرآن كله فهذا معنى التحدي في الآيات , واختلف الناس لماذا لم يستطيع العرب أن يأتوا بمثل هذا القرآن ؟ - قيل لإعجاز في ذاته. هذا الذي لا ينبغي أن يقال في غيره. - قيل لمفهوم الصرفة، ومفهوم الصرفة مسألة بلاغية لا نحب أن نطيل فيها، ولكن نقولها على سرعة، قالها رجل معتزلي اسمه إبراهيم بن سيار النظام، قال: إن العرب كانوا قادرين على أن يأتوا بمثل هذا القرآن، لكن الله صرفهم لحكمة أرادها على أن يأتوا بمثله. وهذا قول باطل حتى مشايخ المعتزلة خالفوه على هذه المسألة، و إلا أجمع المسلمون على أن العرب عجزت على أنه تأتي بمثل هذا القرآن لنظمه لأمور عديدة لا تحصى، ومن أراد أن يرجع في مثل هذه المسألة، في كتاب اسمه ( النبأ العظيم ) لرجل عالم اسمه محمد عبد الله دراز من أئمة الدنيا له قدره بلاغية، لكنه مات قبل أن يكمل الكتاب، لكن الكتاب موجود يطبع ويباع كثيراً، اسم الكتاب: النبأ العظيم، وهذا الكتاب مزيته الكبرى أن الرجل أعطاه الله جل وعلا بلاغة وفصاحة عز نظيرها وقل مثليها فمن أراد أن يستزيد في البيان، والقدرة على الكتابة، والقدرة على الخطابة فليكثر من القراءة في هذا الكتاب، فهذا الكتاب ألهم الله جلا وعلا كاتبه قدرة بيانية يعجز الناس في هذا القرن أن يأتوا بمثلها , وله أسلوب غريب وعجيب في قضية أنه يتأسى بالقرآن كثيراً، فلما ذكر قضية الإعجاز مثلاً قال: نحفظ بعض كلامه.[أي كلام دراز ـ رحمه الله ـ ] قال: فما كان جوابهم، إلا أن ركبوا متن الحتوف ، واستنطقوا السيوف بدل الحروف لما عجزوا عن الإتيان بالبرهان وهذا حيلة كل عاجز يعجز عن الدفاع عن نفسه بالقلم واللسان !! إلى غير ذلك مما قال والمقصود نحن في مجلس علمي ندل على ما ينفع الناس، قلنا الكتاب اسمه النبأ العظيم، واسمه عبد الله دراز، وأحياناً يكتب محمد عبد الله دراز كما يفعل إخواننا المصريون، يضعون اسم محمد قبل أسمائهم من باب التبرك، نعود للآيات هذه أول ما دلت عليه الآيات.
معاني كلمة عبد في اللغة والشرع دلت الآيات أيضاً على صدق رسالة نبينا صلى الله عليه وسلم كما أن في قوله جلا وعلا " وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا " أن مقام العبودية أرفع مقام وأجل منزلة , وكلمة عبد تأتي في الشرع واللغة على ثلاثة معاني: العبودية الأولى : عبد" بمعنى مقهور: وهذا يستوي فيه المؤمن والكافر. كل الناس المؤمنون والكافرون عبيد لمن ؟ عبيد لله والدليل في سورة مريم : " إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً " . هذه عبودية مطلقة يستوي فيها المؤمن والكافر والملائكة والجن والإنس. العبودية الثانية: وهي عبودية بالشرع، وهي ضد كلمة حر، قال الله جل وعلا في سورة البقرة " الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ " . هذا الذي يسترق في الجهاد ويؤخذ كأسير بصرف النظر عن لونه فيسمى عبد بالشرع. العبودية الثالثة: عبد بالطاعة والإتباع: وينقسم إلى قسمين: 1 ـ طاعة لله، وهذا الذي يتنافس فيه عباد الله الصالحون. 2ـ عبد لغير الله أعاذنا الله وهذا بابه وساع، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم (( تعس عبد الدينار وعبد الدرهم )) ، أي: الذي يطيع هواه يطيع ديناره، يطيع درهمه وهذا مصيره الضلالة والخسران .
" وإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين {23} فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُوا ْ" قمة الإعجاز لأنه لن يستطيع أحد أن يأتي بمثل القرآن ,اتقوا النار التي وقودها من الحجارة . أما وقودها الناس: فمعروف. وأما وقودها الحجارة للعلماء فيها قولان : قوم قالوا: أن الحجارة هنا حجارة من كبريت في النار .
هذا عليه الأكثرون وهو فيما نرى أنه رأي مرجوح. وقوم قالوا: إن الحجارة هنا: هي الأصنام التي كانوا يعبدونها في الجاهلية فتقرن معهم في النار.وهذا هو الراجح إن شاء الله ودليله من القرآن في سورة الأنبياء " إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ " .
ثم قال جلا وعلا " فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ " اتقوا النار بماذا : بالإيمان والعمل الصالح . قال العلماء: في قول الله جلا وعلا : أن النار أعدت للكافرين دليل على أنه لا يخلد في النار أحد من أهل التوحيد . من مات على لا إله إلا الله محمد رسول الله ، وجاء بأركان الإيمان الست، فهذا لا يخلد في النار. قال العلامة السفاريني وغيره : وتحقيق المقال أن خلود أهل التوحيد في النار محال .
فإن من مات من أهل التوحيد مهما عذب في النار على قدر ذنبه، مصيره أن يخرج منها لأن الله قال: " أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ " والموحد غير كافر. والله جل وعلا قال في سورة الليل " لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى{15} الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى{16}" فما دام كذب وتولى هذا كافر فمن لم يكذب ولم يتولى فيعذب في النار إن كان عاصياً، إن لم تدركه رحمة الله من قبل أمداً محدوداً، ثم يخرج منها إلى الجنة، أعاذنا الله وإياكم من النار على العموم. ثم من أسلوب القرآن أنه يجمع ربنا ما بين الترغيب والترهيب والوعد والوعيد بعد أن ذكر أهل النار، قال جلا وعلا."وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{25} " . هذه الآية فيها مبشّر وفيها مبشر وفيها مبشّر به وفيها سبب للبشارة.
أما المبشِر: فهو النبي صلى الله عليه وسلم، ومن يقوم مقامه بعده من أمته في الدعوة إلى الدين من أمته. وأما المبشَّر : فهم المؤمنون . وأما المبشَّر به : فهي الجنات، على ما وصفها الله جلا وعلا. وأما أسباب البشارة فهي الإيمان والعمل الصالح. البشارة للمؤمنين/ " وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات " وهذه البشارة يا أخي، تأخذ طرائق تأخذ مسالك . ومن أعظمها أن الإنسان إذا وفق في الدنيا وهو حي يرى نفسه موفق للخيرات، أول البشارة: أن توفق للإيمان والعمل الصالح. وثاني البشارة أن تبشر بالجنة عند موتك على يد الملائكة . وأما تحقيق البشارة : فيكون بعد الموت، وقلنا أن هذا جرى مجرى البشارات بعد أن ذكر الله جلا وعلا الترهيب، ذكر الترغيب. أما التفصيل في الآية: " وَبَشِّر " أي يا نبينا : صلى الله عليه وسلم. " وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ ". وجاءت جنات مجرورة لأنها جمع مؤنث سالم منصوب بالكسرة نيابة عن الفتحة. لأنه وقع اسماً للحرف الناسخ أن وأصل الكلام، أن جنات لهم. ثم ذكر الله جلا وعلا وصف الجنات. أنهار الجنة/ فقال في أول وصفها: " تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ " لم يذكر الله جلا وعلا هنا ما هي الأنهار، وقلنا أن القرآن يفسر بالقرآن. لكنه ذكر الأنهار في سورة محمد، وهي أنهار من ماء، وأنهار من لبن، أنهار من خمر وأنهار من عسل مصفى. وتجري من تحتها الأنهار: أي أنهار الماء وأنهار اللبن وانهار الخمر وأنهار العسل. ثم إنه جلا وعلا ذكر أن تجري من تحتها الأنهار أول صفاتها لأن القاعدة كلما كان الأمر ملتصقاً بذات الشيء كان تقديمه أولى بمعنى: الله قال بعدها: " كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ " ، يتكلم عن أهلها، لكن لما قال: " تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ " يتكلم عن الجنة نفسها فقدم هذه الصفة لأنها متعلقة بالجنة، مثلاً تأخذها من باب العبارات . الطواف حول الكعبة عباده، وكلما أقترب الإنسان من الكعبة كان أولى، لكن عندما يأتي الإنسان، في طواف القدوم، وطواف القدوم من سننه الرمل، أن الإنسان يسرع في الخطوات، فإذا كلما اقترب الإنسان من الكعبة يفوت عليه أن يسرع، نقول هنا: ابتعد عن الكعبة، وآت بالإسراع خير من أن تقترب من الكعبة ولا تأتي بالإسراع، لماذا ؟ لأن الرمل من ذات العبادة، أما القرب من الكعبة ليس من ذات العبادة، أمر منفك عن العبادة . إنسان قبل أن يسكن في هذا الحي، وأقيمت الصلاة، ثم حرك سيارته ليدرك الصلاة في الحرم، نقول إن إدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام في حيك أفضل من إدراك بعض الصلاة في الحرم. لأنه إدراك تكبيرة الإحرام فضل يتعلق بذات الصلاة، لكن الصلاة في الحرم يتعلق بمكانها لا بذاتها، واضح،لا يتعلق بذاتها إنما يتعلق بمكانها، وكلما كان الفضل يتعلق بذات العبادة كان أكمل وأفضل وأولى. لذلك الله جلا وعلا، قدم الأنهار على ذكر غيرها من الصفات لأن ذكر الأنهار يتعلق بذات الجنة، قال جلا وعلا : " تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً ". نحو ياً نقول : كلمة " كُلَّمَا " لا تتكرر كما هو مشهور ، الناس يقولون كلما أتيتني كلما أطمعتك هذا خطأ، يؤتي بـ كلَّما في أول الكلام ولا تكرر، كما قال الله: " كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ " . ولم يقل: كلما قالوا وأكمل، هذا ناحية نحوية . ناحية المعنى : للعلماء في معنى هذه الآية ثلاثة أقوال: فريق يقولون: " قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ " . أي في الدنيا، لأنه قبل جاءت مضمومة منقطعة عند الإضافة فلم يذكر الله جلا وعلا المضاف إليه، فوجب إحرازه قدر الإمكان، هذا قول: فيصبح أن هؤلاء المؤمنين جعلنا الله وإياكم منهم يرون ثمار الجنة، فإذا رأوها قالوا: هذه الثمار تشبه الثمار التي كنا نأكلها في الدنيا هذا قول. القول الثاني: أن الثمار إذا أخذوا منها تبدل غيرها، أن الثمار إذا قطفوا منها تبدل بغيرها، فإذا رأوا الثاني قالوا: هذا مثل الأول الذي قطفناه من قبل لتشابه ثمار الجنة، ما بين هذين يدور أكثر المفسرين، لكننا نقول والله أعلم إن المعنى :أن أهل الجنة إذا قطفوا ثمرة في أول النهار تبدل بغيرها تشبهها في آخر النهار فإذا جاءوا يقطفونها - مثلاً لما تأتي لإنسان يأكل طعام متكرر، يقول بالعامية ما في جديد العشاء مثل الغداء مثل الفطور – فإذا جاءوا يقطفونها قالوا : هذا الذي رزقنا من قبل يعني هذا نفس طعام الصباح فإذا أكلوها وجدها تختلف عن الطعم الأول. وأظن الشوكاني رحمه الله في الفتح القدير مال إلى هذا القول ولست متأكداً، ولكنه قول مذكور. " وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا " ، واللام هنا للملكية، ولهم فيها أي في الجنة " أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ " ولم يقل الله مطهرة من ماذا. لم يقل الله مطهره من ماذا ؟ لفائدة عظيمة، أنها مطهره من كل شيء مطهرون في خلقهم ومطهرون في أخلاقهم.
هؤلاء الأزواج أي النساء مطهرات في خلقهن و في أخلاقهن، في الخلق الخُلُق.
مطهرات من كل عيب ونقص لا يشينهن شيء , وأزواج مطهرة وهم فيها : ( أي في الجنة ). خالدون وهذا الخلود خلود أبدي لانقطاع منه أبداً دل عليه القرآن والسنة.
أما ما دل عليه القرآن، فقد قال الله جل وعلا في أكثر من سورة " خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً " . وأما دلت عليه السنة في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – أنه إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار أوتي بالموت على صورة كبش أملح فينادي يا أهل الجنة، هل تعرفون هذا، فيظرون فزعين خوفاً أن يقال لهم أخرجوا منها ويقال: يا أهل النار هل تعرفون هذا، فيظرون فرحين علهم أن يقال لهم: أخرجوا منها. فيقولون جميعاً: نعم هذا الموت، فيذبح بين الجنة والنار، وينادي يا أهل الجنة خلود بلا موت، ويا أهل النار خلود بلا موت، قالت عائشة: فلو أن أحداً مات فرحاً لمات أهل الجنة فرحاً، ولو أن أحداً مات حسرة، لمات أهل النار، حسرة، وفي رواية البخاري، أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا بعدها " وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ{39} إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ" . تحرر من هذا أن دخول الجنة أعظم الأماني وأجل الغايات وأن الإنسان ما يناله من نصب أو تعب أو جهد أو إنفاقه من ماله أو بدله أو وقته في سبيل تحقيق إيمان وعمل صالح، إذا دخل الجنة نسي كل بؤس وجده في الدنيا، وقد قيل للإمام أحمد متى يستريح المؤمن، قال: إذا خلف صراط جهنم وراء ظهره، وفي رواية أخرى أنه سئل فقال: إذا وضع قدمه في الجنة , والمقصود أن أهل الجنة لا يعبدون، وقال النبي عليه الصلاة والسلام عنهم: لا يفنى شبابهم، و لا تبلى ثيابهم، والإنسان إذا أراد أن يقوم من الليل فأضجعته نفسه ودعته نفسه الأمارة بالسوء إلى أن يخلو إلى الفراش يتذكر يوم الحشر ويوم الحساب ويوم يقال لأهل الجنة: كلوا وأشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية. يتذكر يوم أن يطرق النبي صلى الله عليه وسلم أبواب الجنة، فينادي الخازن من أنت ؟ فيقول: أنا محمد، فيقال: أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك، فيدخلها عليه الصلاة والسلام، ثم يدخلها بعده الأخيار والمؤمنين الأنقياء الأبرار من أمته يتذكر المؤمن وهو يرى ما يثبطه عند العمل الصالح ويدعوه إلى الشهوات، ويدعوه إلى أن يعصي الله جل وعلا، خروج الناس من قبورهم حفاة عراة غرلاً بهماً أشد ما يكونون إلى ماء يروي ظمأهم، فإذا خرجوا وجدوا النبي عليه الصلاة والسلام على حوض يسمى : الحوض المورود، فيقبل عليه صلوات الله وسلامه عليه المؤمنون الأنقياء من أمته، فيردون من حوضه ويشربون من يده شربة لا يعطشونه بعدها أبداً. إذا تذكر الإنسان حال أهل الجنة و ما فيها من نعيم وتذكر حال أهل النار عياذاً بالله وما فيها من جحيم، دعاه ذلك إلى زيادة الإيمان في قلبه والمسارعة في الخيرات والإتيان بعمل الصالحات، ولم تلقي الله جل وعلا بشيء أعظم من سريرة صالحة وإخلاص في قلب ومحبة للمؤمنين، وعدم بغض لهم لا في قلبك حسد ولا غل على مؤمن كائناً من كان ترى من ترى من أفضل الله عليه فتسأل الله من فضله ولا يخلوا إنسان من عثرة ولا من زلل ولا من خطأ، لكن المؤمن إذا آب إلى الله كفل الله جل وعلا به قال الله جل وعلا في نعت خليله إبراهيم في سورة التوبة " إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ ". وقال الله جل وعلا عنه في آية أخرى في سورة هود " إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ " . أي: كثير الرجعة إلى الله، فكثرة التوبة والاستغفار والإنابة إلى الله، مع الإيمان والعمل الصالح وهما مندرجتان فيه كل ذلك يهيئ للمؤمنين أن يدخل جنات النعيم، رزقنا الله وإياكم إياها بأمن وعفو وعافية منه، ثم قال جل وعلا: " إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَـذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ " . لما ذكر الله جلا وعلا الأمثال السابقة عن المنافقين، استنكروا أن يضرب الله أمثالاً بهذا الوضع، فرد الله جل وعلا، عليهم بقوله: " إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا " . شيء عظم أم شيء حقر ، لأنه العبرة بما ينجم عن المثل لا بعين المثل. والناس في تلقيهم للمثل القرآني فريقان : قال الله : " فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ " . أي المثل : " الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ " . لأن قلوبهم مؤمنة تتلقى ما عند الله جل وعلا " وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَـذَا مَثَلاً ً" أسلوب التشكيك والظلمات التي في قلوبهم ، تبقى على ألسنتهم كما هي موغلة في قلوبهم. ثم أخبر الله أن المثل كالقرآن يظل الله به كثيراً ويهدي به كثيراً. وقد قلنا في الدرس الماضي أن القرآن كالمطر المعطي، لا ينبت في كل أرض ينزل عليها، وقال الله في سورة الإسراء : " وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ " . لمن ؟ " لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً ً " وقال في سورة فصلت : " قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء " وذكر الذين كفروا فقال: " وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى " . كذلك الأمثال التي يضربها الله جل وعلا في القرآن ينتفع بها المؤمنون ولا ينتفع بها أهل الفسق والكفر والفجور. " يُضِلُّ
| |
|
المتواضعه~لله المراقبة العامة
الجنس : عدد المساهمات : 80 تاريخ التسجيل : 01/04/2012 العمر : 35
| موضوع: رد: تأملات في سورة البقرة ج1 السبت أبريل 21, 2012 2:05 pm | |
| | |
|
لا تحزن ان الله معك الشخصيات الهامة
الجنس : عدد المساهمات : 304 تاريخ التسجيل : 21/07/2012
| موضوع: رد: تأملات في سورة البقرة ج1 الخميس أغسطس 30, 2012 9:02 pm | |
| | |
|