المحور الثاني
دلالة القرآن على سماحة الإسلام ويسره سماحة الإسلام في التعامل مع المخالف
للدكتور حمزة بن حسين الفعر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أرسل إلينا رسوله محمدا - صلى الله عليه وآله وسلم - مبشرا ونذيرا ، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، وأنزل علينا خير كتبه ، ورضي لنا الإسلام دينا .
والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على رسول الله ، وعلى آله وصحابته ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين .
أما بعد ، فإن حكمة الله البالغة اقتضت أن يكون دين الإسلام خاتم الرسالات الإلهية لأهل الأرض ، وهو الدين الذي رضيه الله لعباده المؤمنين : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا )(سورة المائدة الآية 3) ولا يقبل الله من أحد من المكلفين كائنا من كان دينا غيره كما قال جل ذكره : ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ )(سورة آل عمران الآية 19)( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)(سورة آل عمران الآية 85) .
ورسالات الأنبياء السابقين وشرائعهم كانت هدايات وقتية سرعان ما تتبدل ويدخلها التحريف والتغيير على أيدي أبنائها أو غيرهم بعد موت نبيهم ، ويظل أهلهم يوغلون في التخبط عن الرسالة الحقة التي جاءهم بها نبيهم ، وتختلط الأمور عليهم بسبب التحريف الذي لحق بها حتى يبعث الله لهم نبيا آخر يردهم إلى الجادة ، ويحيي ما اندرس من معالم الدين الصحيح .
كما أنها رسالات خاصة بالأقوام الذين يبعث فيهم الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه ، وليست عامة لكل البشر كما قال الله تعالى : سورة المائدة الآية 48 لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ولهذا قد يوجد في الزمن الواحد أكثر من نبي ، كل يبعث في قومه خاصة .
[ص-78] أما رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ودينه الخاتم - الإسلام - فإنها عامة لكل الخلق لا تختص بأمة دون أمة ، ولا بموطن دون موطن ، بل كل الخلق بعد بعثته صلى الله عليه وسلم أمة واحدة هي أمة الدعوة ، والرسول واحد والدين واحد : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ )(سورة سبأ الآية 28 ) .
ويقول النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح : ( فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ : . وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً ، وَخُتِمَ بِي النَّبِيُّونَ ) .
كما أن هذه الرسالة خالدة باقية إلى نهاية هذه الدنيا محفوظة بحفظ الله لكتابها من التغيير والتبديل : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)(سورة الحجر الآية 9) .
وجاء في الحديث الصحيح : لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ .
وقد جاء هذا الدين هداية للبشرية كلها ورحمة بها كما يدل على ذلك قوله تعالى مخاطبا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)(سورة الأنبياء الآية 107 ) .
وهذه الرحمة تشمل جوانب عديدة ، من أهمها :
( 1 ) أن الله رفع به عذاب الاستئصال للكافرين وهم أمة الدعوة .
( 2 ) أن الله جعل في دينه سعادة الدنيا لمن التزم به لما فيه من سعة ، ويسر ، وحق ، وعدل ، وخلاص من القلق والحيرة ، [ص-79] وجعل فيه سعادة الآخرة بالفوز برضوان الله ، ودخول الجنة ، والتمتع بما أعده الله فيها للمتقين .
رَوَى الْإِمَامُ مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ . قَالَ : إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا ، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً .
وروى ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)(سورة الأنبياء الآية 107 ) أَنَّهُ قَالَ : " مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ الرَّحْمَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ عُوفِيَ فِي الدُّنْيَا مِمَّا أَصَابَ الْمَاضِينَ مِنَ الْخَسْفِ وَالْقَذْفِ . . "
وإذا قاتل المسلمون الكفار المعادين فإنه لا يجوز لهم قتل النساء والأطفال ، ولا الشيوخ ولا الرهبان في صوامعهم .
وإن دينا هذه حقيقته ، وهذا مقصده لا يسعه إلا أن يكون سمحا سهلا مع الخلق أجمعين ، من كان منهم من أتباعه ومن لم يكن ، حتى الأحوال التي تقتضي الشدة والحزم فإنها تنطوي على جوانب من السماحة واليسر لا يوجد لها نظير في غيره .
ومن ذلك إقامة الحدود والقصاص على من وقعوا فيها ، فإنه لا يجوز لعنهم ولا مجاوزة العقوبة المقدرة في حقهم ، ومن ذلك أيضا ذبح البهائم لأكلها ، فإنه لا بد للذابح من مراعاة عدم تعذيبها : إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ .
ولما كان جانب التعامل في هذه الحياة من أهم الجوانب لاتصاله بعلاقات الناس ، وأحوالهم وأخلاقهم فإن الشريعة الإسلامية المطهرة أولته عناية فائقة تنم عن مصدر هذا الدين ، وأنه الهداية الإلهية لهذه البشرية بكل ما فيها من خير ورحمة ، ويسر وسماحة .
المصدر: حملة السكينة