المحور الثاني
دلالة القرآن على سماحة الإسلام ويسره
سماحة الشريعة في التعامل مع الواقع للدول والأفراد
للدكتور عبد الرحمن بن زيد الزنيدي
تقديم الحمد لله والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلم ، وبعد :
فالإنسان ابن الواقع فشخصه بتكوينه المادي والروحي وتحولاته واقع ، والكون المحيط به بأحداثه وتغيراته واقع ، هو جزء منه .
هذا الواقع سمته النقص ، والضعف والجذب المادي والإلهاء :
سواء كان الإنسان ( إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)( الأحزاب 72 ). . ( وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا )( النساء 28 ).
ويقول صلى الله عليه وسلم : يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلَالِ كُلِّهَا خَلَا الْكَذِبِ أو كان الكون الدنيوي بجماده ونباته وحيوانه :
(وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)( آل عمران 185 ).
( اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ)( الحديد 20 ).
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)( يونس 23 ).
في مقابل هذا الواقع يتجلى " الوحي الإلهي " متمثلا في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم بالقرآن الكريم ، وسنته الشريفة ، حيث [ص-95] الكمال والطهر ، وحيث جاء ليرتقي بالإنسان نحو السمو والكمال والرشد في حركته ومآله .
والإنسان بحكم طبيعة وجوده التي برأه الله عليها متردد بين الوحي بكماله من جهة والواقع بنقصه من جهة أخرى ، وغاية الوحي الذي يحمل منهج الله للبشر أن يحقق للإنسان كمال وجوده في هذا الواقع ، ولكنه لم يضع الإنسان معلقا بصورة مثالية مبتورة الصلة بواقعه الذي لا فكاك له منه بحيث إنه إن تمسك بهذه الصورة - كما في بعض الأديان الروحية - ساء واقعه الحياتي وتدهور حضاريا ، وإن استنكف عنها انجذابا للواقع ولفرط مثاليتها - كما في المدن المثالية التي وضعها كثير من الفلاسفة فبقيت تخيلات نظرية - غمره الواقع بكل سوءاته التي لا تقف عند حد حتى ينحدر لبهيمية تقطعه عن خالقه وعن إنسانيته .
منهج الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم منهج متفرد في علاج هذه القضية إذ يجمع بين الارتقاء بالإنسان في وجوده الحضاري في مدارج الإنسانية الممكنة وبين اعتبار الواقع الذي يعيشه الإنسان في إمكاناته ، وضغوطه ، ونزعاته ، وأعرافه ، وسقفه الحضاري ، ونحوها ، فحقق للإنسان سعادته في ظل واقعه الذي يعيشه ، ويتعايش فيه مع من حوله في يسر ورفع حرج وسلام وتسديد ومقاربة وتكليفات لا تتجاوز حدود طاقته البشرية .
وشريعة الإسلام لا تحصر هذا المنهج في المنتمين إليه فقط وإنما تعم برحمته العالمين كلهم ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ )(سورة الأنبياء الآية 107)
المشكلة لدى بعض أبناء الأمة في هذا العصر نتيجة انفعال بالضغوط المحيطة بهم وبأمتهم أنهم جنحوا عن هذا المنهج السوي إلى أحد تطرفين :
* تطرف الذين جمحوا في نظرتهم للواقع وتضخم لديهم حتى حكموه في شريعة الله المنزلة وقرروا أن (( الواقع له أولوية على كل نص )) .
* يقابله تطرف الذين اختزلوا الإسلام في موقف مثالي اشتط في تعامله ، ومن ثم في حكمه على الواقع لعدم استيفائه الصورة المثالية لديهم فرفضوا هذا الواقع واعتزلوه وأنكروا عناصر الخير فيه وأعلنوا الحرب ضده .
وهذه الصفحات المقتضبة مجرد أفكار - وضعت على عجل - في هذه القضية (( التعامل مع واقع الفرد والدولة في [ص-96] إطار سماحة الإسلام )) ، والله الموفق .
المصدر: حملة السكينة