د.هاشم عبد الله الصالح
في البداية لا بد من توضيح يخص العنوان, فليس المقصود أن النجاح نصفه من الإنسان هو قدرة الإنسان في مقابل قدرة الله, لأن كل ما عند الإنسان من قدرة فهي من الله ـ سبحانه وتعالى ـ لكن التصرف في هذه القدرة هي نعمة من نعم الله أوكلها الله إلى الإنسان ليسعد بحسن تدبيرها ويشقى إذا أساء التصرف فيها. ونجاح الإنسان عموما هو السير نحو الله, فطريق النجاح هو الذي يقرب الإنسان من الله ـ سبحانه وتعالى, ولم يترك الله الإنسان من دون هداية لمعرفة هذا الطريق المؤدي إليه, فأودع فيه العقل واختزن في داخله الفطرة, وهي نفحة الروح الإلهية التي تشده إلى خالقه ومن ثم تمم ذلك بهدي الرسل والأنبياء وخاتمهم نبينا وحبيب قلوبنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ورسالته السماوية وهي رسالة السلام والأمان والاستسلام إلى الله سبحانه وتعالى. فكل الناجحين يحثون الخطى في الطريق إلى الله ـ سبحانه وتعالى, فمن يكتشف شيئا ويكشف عن آية من آيات الله فإنه يقترب بذلك من الله ـ سبحانه وتعالى ـ ومن يتقن مهارة تساعد الناس على قضاء حاجاتهم فإنه بذلك يخطو خطوة متقدمة في الطريق إلى الله, ومن ينشر علما أو معرفة يستهدي بها الناس فإن هداية الناس تدفعه إلى أن يكون أكثر قربا من ربه. النجاح كلمة أوسع من أن نحدد لها وصفا معينا أو نحيطها بمعنى محدد, فالنجاح هو أن يعيش الإنسان وجوده الذي أراده الله له, وجود ليس فيه عبودية إلا إلى ربه, وجود فيه تخلق بأخلاق الله, وجود فيه قيمومة للإنسان على نفسه وشهواته ورغباته, وجود فيه عدل ورحمة مع الآخرين, وجود فيه سعادة يغترف منها الإنسان بمقدار تذكر الإنسان لما عنده من نعم ومن ثم شكر الله عليها, وجود فيه ثقة بالنفس يستمد قوتها من ارتباطه بالله ـ سبحانه وتعالى ـ الذي نفخ فيه من روحه فانفتحت له بذلك أبواب القدرة والتمكين ما جعله خليفة الله ـ سبحانه وتعالى ـ في هذه الأرض وسيدا على جميع المخلوقات, وجود يرى أن الحياة ـ وإن كانت محدودة ـ إلا أن عمقها غير محدود والناجح من يشغله عمقها وليس عدد أيامها وسنواتها, وجود يعي ويقدر ما استأمنه الله ـ سبحانه وتعالى ـ في إنسانيته من كرامة لا ينبغي له أن يفرط فيها وإن أحاطت به البلوى والشدائد, وجود فيه محبة تتسع ليحتضن في داخله الحياة بتنوعها وتعدد ألوانها وكثرة أطيافها, وجود يتواضع لمن هو أدنى منه ولا يشعر بالدونية لمن هو أعلى منه ويتعاطف مع المحتاج إليه ويستبشر بمساعدة الآخرين في حوائجهم.
وطريق النجاح لا نهاية له, ومحطاته لا يحصي عددها إلا الله ـ سبحانه وتعالى ـ والوصول إلى كل محطة منه يتسع فيه وجود الإنسان ليستقبل مزيدا من الفيض والرحمة الإلهية,''يأيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه''. والمهم أن يجتهد الإنسان في أن يضع قدمه على طريق النجاح لأن النجاح نفسه, وإن كان في الأول بسيطا ومحدودا, إلا أنه يشحن صاحبه بطاقة أكبر تدفع به للسير إلى نجاح جديد, ومع كل نجاح يحصل الإنسان على طاقة أكبر تجعل منه يتطلع إلى أهداف أكبر وأكبر, وبفضل هذه الطاقة الكبيرة التي تراكمت بفضل النجاح يستطيع الإنسان أن يتغلب على ما يعترض طريقه من عوائق وصعوبات.
وبعد هذه المقدمة الضرورية والمبسطة لمفهوم النجاح نعود إلى أصل الموضوع وهو معادلة النجاح, فالحياة في كل تفاصيلها تخضع لمعادلات وسنن محددة, والنجاح مثله مثل كل هذه الأشياء له معادلة نصفها أو أحد جنبيها يمثل الفيض والعطاء الذي يفيض به الله ـ سبحانه وتعالى ـ على الإنسان الناجح, وهذا الفيض الإلهي يتمثل في شيئين اثنين هما التوفيق والبركة. أما النصف الآخر أو الجانب الإنساني في معادلة النجاح فيتمثل هو الآخر في شيئين اثنين هما الاجتهاد والصبر. نجاح الإنسان في حاجة إلى عمل واجتهاد ومجاهدة وصبر وتحمل المشكلات والصعوبات والمحن التي تعترض طريقه, ولكن حتى اجتهاد الإنسان وصبره لا يكفيان لتحقيق النجاح إن لم يحالف هذا العمل وهذا الاجتهاد وهذا الصبر والتحمل توفيق وبركة من الله ـ سبحانه وتعالى. فعدل الله أسمى من ألا يكافئ المجتهد المخلص في عمله بالتوفيق لتحقيق ما يربو إليه من نجاح, ورحمة الله أوسع من ألا تجازي هذا المجتهد الصابر والمرابط في طريق النجاح من بركة فيما حققه من نجاح ليعود عليه بالخير والمنفعة أكثر مما كان يرجوه ويسعى إليه. ولنبدأ بالحديث والكتابة عن النصف الأول من معادلة النجاح وهو النصف الذي يقوم به الإنسان, فتاريخ الإنسان على هذا الكوكب والتجربة الإنسانية في هذه الحياة كلها يؤكدان وبوضوح ألا نجاح من غير اجتهاد, ولا اجتهاد ومجاهدة إن لم يصحبهما صبر وتحمل للمحن والشدائد. وإذا كانت المكافأة بالنجاح في حقيقتها كرما وعطاء وفيضا من الله ـ سبحانه وتعالى ـ إلا أن هذه المكافأة وهذا النجاح لا يستحقهما إلا المجتهدون الصابرون. ولكل نصف من المعادلة حديث طويل ولكن سنكتفي بالحديث الموجز وحديث الإشارة عن كل عنصر من كل طرف في هذه المعادلة.
1- الاجتهاد: إذا نظر الإنسان إلى الحياة ومن حوله يجدها كلها نعم وأسرار وإمكانات إن وصل إليها ارتقى بنفسه ماديا ومعنويا, وبالتالي فهي كلها أهداف مشروعة له ولكن لا ينجح في الوصول إليها وتحقيقها إلا بالعمل والاجتهاد. ولم يطالب الإنسان بالعمل والاجتهاد وهو مخلوق لا حول ولا قوة له. فلقد أودع الله ـ سبحانه وتعالى ـ فينا ـ نحن البشر ـ من القوى والملكات والإمكانات ما لا حد لها, فعندنا الطاقة البدنية, وهي على ضعفها ومحدوديتها, إلا أنها قادرة على أن تصنع الكثير, وعندنا القوة الفكرية والعقلية التي لا يقارن بها ما عند الإنسان من قوة بدنية, التي يقول عنها العلماء إننا لم نستخدم منها إلا القليل جدا, وإن كل هذا التطور العلمي والتكنولوجي وهذا التقدم المادي الذي نشهده اليوم ونحن لم نشغل من عقولنا إلا دون الـ 10 في المائة, ولنا أن نتصور إلى أين سنصل وكيف سيكون حالنا لو شغلنا ليس كل عقولنا بل نصفها أو حتى ربعها؟! وهناك الطاقة الروحية التي لا حد لها لأنها هي النور الذي يصل بالإنسان إلى ربه, فكم من عالم وكم من مكتشف وكم من مفكر قد أجهد فكره وعقله وقضى الأيام والليالي الطويلة وهو يبحث عن الفكرة التي يريدها أو عن القانون الذي يحل له مسألته ومشكلته ولكن وبعد أن تعب فكره وأرهق عقله جاءته النجدة من روحه لتوحي إليه بما كان يبحث عنه, ولكن هذه النجدة الروحية يختص بها المجتهدون العاملون. العمل والاجتهاد هو أول مهمة للإنسان في طريق النجاح ويخطئ من يعتقد أن النجاح فقط حليف الأذكياء والمتميزين لأن إنسانا عبقريا مثل العالم إينشتاين الذي حقق كثيرا من الإنجازات العلمية وهو لم يستخدم إلا 10 في المائة من عقله, فهل عقولنا ليس فيها هذا القدر البسيط من القوة والذكاء أم أننا نريد أن ننجح ولا نشغل حتى 1 في المائة من عقولنا, وإينشتاين نفسه يقول إن العبقرية ليس فيها ذكاء إلا 1 في المائة, وأما الـ 99 الباقية فهي عمل واجتهاد ومرابطة. النجاح في معدله كله عمل والقليل منه ذكاء وأغلبية الناس بل معظمهم عندهم من الذكاء ما يكفي ويزيد ويبقى المطلوب هو العمل والاجتهاد, وعند هذا يفترق الناس, فمن يعمل ويجتهد يفرش له طريق النجاح, ومن يجلس ويتقاعس ولا يتحرك ولا يبذل جهدا فهو في طريق والنجاح في طريق آخر. هل استطاع العالم توماس أديسون أن ينجح في اكتشاف المصباح الكهربائي لو لم يخط أكثر من ألفي خطوة في الطريق إلى اكتشافه, وهذا هو عدد مرات محاولاته التي حاول بها أن يصل إلى اكتشاف المصباح. والأحلى والأروع أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ يخبرنا بأن العمل والاجتهاد هما في حد ذاتهما نجاح, وهو يقول في كتابه''وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون'', فما دام الإنسان يعمل ويجتهد وهو مخلص في اجتهاده فهو عند الله ناجح وإن لم يصل إلى ثمرة عمله العاجلة والمحسوسة.
ولا يزال الكلام كثيرا عن موقع الاجتهاد في تحصيل النجاح لأن الاجتهاد أو العمل لا بد أن يكون موجها إلى أهداف معينة ومحددة وإلا كان هذا العمل عبثا وليس اجتهادا, وانتقاء الأهداف وترتيبها حسب أولويتها هو الآخر يحدد ثقل الاجتهاد في ميزان النجاح, وهناك أيضا جوانب أخرى لا بد من الإحاطة بها في موضوع الاجتهاد, وإن لم يتسع الحديث عنها في مساحة هذا المقال, وللحديث تتمة عن العناصر الأخرى في المعادلة.