د. فايز بن عبد الله الشهري
يتبين من تاريخ القبائل العربيّة ضمن ثقافة ما اصطلح عليه "العصر الجاهلي" وضوح ظاهرة احتقار المرأة وامتهان روحها وجسدها تحت "رفرفة" الرايات الحمر ومسميات الانكحة المعيبة التي كانت المرأة المستكينة فيها جسدا للمستمتع أو المستبضع أو في أحوال أخرى عارا على الأب والأخ لا يمحوه إلا وأدها - وهي طفلة - في التراب صيانة للشرف وحماية لاسم الذكر الرنان الذي له وحده شرف حمل السيف، وإكرام الضيف. ومن عادات الجاهليّة المشتهرة أيضا مسألة التشاتم بين وزراء إعلام (شعراء) القبائل الجاهليّة والافتخار الفجّ بالحسب والقبيلة وازدراء الضعفة ممن لا عصبة يلوذون بها أو منعة تردع عنهم مشاغبي القبائل وسرّاقها.
تلك هي بعض سمات ثقافة عرب الجاهليّة الذين اجتهد المؤرخون طيلة القرون في تقليب المعاذير الثقافيّة والدينيّة مبررين للقدماء اضطرارهم لاقتراف أعمالهم المريعة هذه تحت ظروف التاريخ وضغوط الجغرافيا .... وفق منظور الجهل والجاهليّة. لا بأس إذا ... ولكن هل يمكن أن نوظّف ذات التبرير لدفع الالتباس عن صورة بعض المستثمرين من عرب اليوم وهم ينافحون عن سوء ما يفعلون في جاهليتهم الالكترونيّة؟ بعبارة أخرى هل يمكن أن نعد ما نشاهده اليوم على الأثير الالكتروني (الفضائيات والانترنت) نسخة جاهليّة مطورة من مآثر الأجداد أحياها الأحفاد في العصر الرقمي؟
هل نتحدث ونحن نرصد مظاهر الجاهليّة الالكترونيّة الحديثة عن الانحدار المؤسف والإسفاف المخل الذي وصلت إليه خدمات قنوات زواج "المسيار" العربيّة وهي تعرّض المرأة الشريفة وقدسيّة مؤسسة الزواج لهذا المستوى من الابتذال أمام العالم؟ كيف نبدأ ومن أين ننتهي وقد أخذت هذه القنوات في التكاثر الوبائي المريع؟ على ماذا نتحاور والى أين سينتهي بنا الحديث ونحن لا نسمع سوى "جلجلة" "الخلاخيل" على شاشات مئات الفضائيات المتخصصة في عرض أجساد بنات "عرب الشمال" المكتنزة وهن يتنافسن في الكشف عن اللحم الوافر على أجساد تستثمرها رخيصة تحت إشراف بعض العقول "القوميّة" التي أفلحت فقط في تعليب الشرف العربي وتسويقه بضاعة مزجاة في سوق الكرامة.
كيف رضيت (شهامة) حر عربي - بعد انفلت من عقال دينه وحضارته - أن يعرض الحرة العربيّة سلعة رخيصة على الفضاء العالمي متفننا في توصيفها ونقل مقاس خصرها وحجم صدرها مهدرا كرامتها عبر قنوات الدردشة "الماجنة" وهواتف الصداقة الوضيعة ومواقع الانترنت التي لم تستثن عيبا أو فاحشة إلا نشرتها بكل فنون الصوت والصورة.
كيف وهل لم يقرأ ويتعظ من عبر تاريخ الجاهليين ذاك المستثمر العربي الذي خرج يستعرض "نياقه" مفاخرا بحجم استثماراته الفضائيّة ومواقعه الالكترونيّة التي تخصصت في ترويج الشعر "السوقي" وعرض مفاخر الأبطال! من صعاليك شعراء المهاترات والشتائم. والأغرب كيف راجت بيننا مثل هذه الكيانات الالكترونيّة الجاهليّة وكل مادتها كلام "عبطي" وجل نجومها "متسولون" مهرة. عجبا لكفّ غليظة هوت على خدّ سائلٍ أقعدته الحاجة أمام باب المسجد وهي ذات الكف التي صفّقت بحماس جاهلي "لمتسول" فضائي" ومنحته مفتاح السيارة الهديّة بعد أن صفع القبيلة المنتشية بكذبة صلعاء استعرض فيها تاريخ فرسانها في حمى الوغى وهم يجندلون الأعداء!؟ وبالطبع لن يسأل المصفقون البائسون كم عربي مسلم أرداه أبناء القبيلة وهم يتقلدون سيوف الجاهليّة ولا مجال للسؤال عن كيف تجاوز عقلاء القبيلة مسألة فخر فارس القبيلة بغرس رمحه في صدر (عدوه) العربي المسلم ليختاروا قصيدته العصماء صدرا لموقع القبيلة الالكتروني. أهلا بكم في عصر الجاهليّة الالكترونية كما سيكتب المؤرخون عنها في قرن قادم؟
@@ مسارات @@
قال لصاحبه ومضى: لا تحزن يا صاحبي فالشرف (قيمة عليا) (لا يحافظ) عليه إلا (من يمتلكه) حقا.