القلم كالحصان لا يعبأ ان كان ممتطيه بطل يدافع عن حمى داره او عدو غاشم، فلا عيب للكتابة حينما يكون صاحبها غير صادق مع نفسه ولا اثم لمرآتها حينما يخونها الكاتب ولا يرى انعكاسه فيها.
قال تعالى: »ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ«.. ملايين المقالات والكتب كُتب فيها عن الأمانة والصدق والعدل والمطالبة بإحقاق الحق وتجريم الانتهاكات ونبذ النفاق والكذب، ونقد الإهمال والنصح باستنهاض الضمير وبر الوالدين والحث على اتخاذ القرارات الحكيمة، وكُتب في كل شيء وعن كل شيء.! وبمجملها عناصر من المثالية والكمال لتكمل فسيسفاء الحكمة والوعظ. ولكن هل الآلاف الكّتاب يفعلون ما يكتبون..؟!
قد يكتب الكاتب بجزيل المعاني عن الإهمال ولكن لا يعترف بأنه مهمل بحقوق ابنائه او منزله على سبيل المثال، وبدلا من اصلاح نفسه يكتب لتوجيه الاتهام للآخرين. وعلى الرغم من ذلك فليس علينا ان نتعامل مع الكاتب على انه متهم وعليه بالاعتراف.
ولكن اطالبه بأن يكون صادقاً مع نفسه ومع قرائه، الذين لولاهم ما كتب. فالبعض منهم يعجبك اسلوبه وطرحه، ولكن ما ان تقابله شخصياً حتى تجده شخصية مختلفة تماماً عن جميل المعاني ورقة الكلمات التي تقرأها بانبهار واعجاب في كتبه ومقالاته، فهذا وبلا شك سيشكل صدمة لا بأس بها فاحذر من توقعاتك.!
يحكى عن جان جاك روسو صاحب نظرية التعليم والتربية انه كان فقيرا معدما عندما تزوج، وعلى ذلك قرر انه حينما ينجب اطفالاً سيرسلهم فورا الى الملاجئ، والتي كانت نسبة الوفيات فيها تصل الى 50%، وبالفعل عمل على تنفيذ قراره..
وبعد مرور عشرة اعوام اراد الاستعلام عن احوالهم ومصيرهم فلم يجد لهم اثر، فكان هذا التصرف هو الشوكة التي لطالما وخزها منتقدوه في خاصرته عندما بات مشهورا وصاحب نظرية التعليم والتربية، الا ان مشاعر الندم وتأنيب الضمير لم تبارحه ابدا، ففي احد كتبه يقول:
«لا فقر ولا اشغال ولا حياء بشري ولا شيء من ذلك يستطيع ان يعفي الآباء من ان يوفروا المعاش لأبنائهم، وان يقوموا بتربيتهم بأنفسهم»، وكتابه (اميل) الذي كان يدور في فلك التربية والتعليم يعتقد فيه روسو ان على الانسان ان يكون طبيعيا في تربيته لأبنائه، فمثلا اذا كسر الولد زجاج النافذة فليس من المفترض عقابه، بل نجعله ينام تحت النافذة وفي البرد الذي يتسرب منها ليرى نتيجة فعلته. نظريا كان روسو عبقريا، ولكن عمليا كان العكس. وقد يعمل البعض كما عمل روسو او بفرضية الشافعي التي تقول:
«فلتعتبروني مثل التمر، كلوا منه الطيب وارموا النواة» ولكن بتصوري الكتابة امانة، والذي يكتب بغير صدق لتلميع صورته دون المبالاة بالرسالة المكلف بها حينما وهبه الله هذه الهبة فلن تصل، فمن يكتب بحبر قلمه ليس كمن يكتب بدم قلبه. ذهب السنابل: «ان حرية الفكر حركة داخل الانسان، ولكن اذا خرجت الفكرة الى العالم الخارجي وتجاوزت مرحلة الاعتقاد الى مرحلة اشراك الآخرين فيها كان عليها ان تلتزم الصدق والموضوعية ومبادئ المجتمع وقيمه».. أنور السادات.
ايمان الخميس