للوهلة الأولى يبدو أننا نعيش في حرية مطلقة لا يعكر صفوها شيء يحسدنا عليها القريب والبعيد حرية نستطيع معها فعل أي شيء وقول ما نريد دون حسيب أو رقيب ولكن الواقع يخالف ذلك بكل تأكيد والحرية التي نتوهم أننا نعيشها ليست حقيقية بل مجرد أوهام.
وأنا حين أتحدث عن الحرية فعلاً وقولاً لا أقصد ما يطالب به بعض مسيء الفهم من إطلاق العنان والتطاول على ولاة الأمر وعلماء هذه الأمة وهو ما صار يتفشى مؤخراً وبشكلٍ علني بعد أن كان أولئك الشامتون الشاتمون لا يتجرؤون على ذلك في سرهم ولكن مع تبدل الحال وتغير الأزمان أصبح منا من يرى سب ولي أمر هذه البلاد وعلماءه الأجلاء الأفاضل من الحرية الصرفة التي ليس لأحد الاعتراض عليها حتى لو خالف منطقه الواقع ولم يستند في حديثه على حقائق تدعم ما يقول.
وحين تمعن النظر في الفترة الحرجة التي نعيشها والتي بدأت بالتحديد مع انطلاق الثورة الفضائية وما نتج عنها من انفتاح على عوالم وأعراف وتقاليد لم نكن نعرفها أو نسمع عنها شيئاً أدت إلى تحول سريع في طريقة تفكير بعضنا وتعاطيهم مع الأحداث الجارية وكانت البداية صاخبة بين رفض تلك النقلة وبين تأييدها والدعوة إلى المطالبة بإفساح المجال للمزيد منها مع قبول كل ما هو جديد بغض النظر عن آثاره السلبية أو الإيجابية وبالفعل تغلب أصحاب الرغبة الثانية وأصبحنا نعيش في بيت بلا سقف يأتينا ما نريد وما لا نريد من كل مكان.
كنا في البداية نعتقد أن تلك النقلات سيصاحبها هجوم أجنبي على ديننا ومعتقداتنا وأعرافنا وتقاليدنا وظننا في البداية أن ذلك سيكون من خلال توظيف بعض الإعلاميين والمثقفين من خارج هذه البلاد لمحاولة بث بعض السموم التي ظننا في البداية أنها لن تتعدى بعض المحاولات التنصيرية التي تعرف بديانتهم ومحاولة نشر ثقافتهم وكنا نظن أن ذلك سيشكل معضلة بالنسبة لنا ولكنها ستظل واضحة وسيسهل بتضافر الجهود التصدي لها بالتوعية المقننة من خلال وسائل إعلامنا المختلفة الذي حان الأوان لتقوم بدورها فهي سلاحنا الأنسب في هذه المرحلة.
بدأت الثورة ولم نرى شيئاً مما كنا ننتظر وقال بعضنا إنكم توهمتم أن تلك الطفرة المعلوماتية ستغيركم وتبدل دينكم وقد مضى ما يزيد على عقد كامل ولم يتبدل أو يتغير شيء ولكن ما كنا نخشاه أتى ولكن بطريقة غير متوقعة وما كنا ننتظر من غزو أجنبي سيكون عدونا فيه واضحاً بيناً لنا كان فيه ما استطيع تسميته قصور في التفكير فعدونا وظف جزء من تلك التقنيات التي قدم لنا لمحاربتنا ولكن ليس بيده فقط بل حتى بأيدي أبنائنا من مثقفين وإعلاميين.
ومن منطلق حرية التعبير والرأي بدؤوا بضرب رموزنا الدينية العليا التي نستقي منها ثوابتنا ونتعلم منها أمور ديننا فتطاولوا على رواة الحديث وكان النصيب الأكبر من تلك الطعون لأبي هريرة رضي الله عنه الذي رأوا أنه متى سقطت قيمته سقط معه أكثر من خمسة آلاف حديث ثم طعنوا في غيره من الصحابة رضوان الله عنهم ولم يكتفوا بذلك بل تجاوزه إلى سب الرموز المجددة من علماء هذه الأمة كشيخ الإسلام ابن تيمية والإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب والإمام الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليهم أجمعين.
ولم يكتفوا بسب أولئك الرموز بل أعدوا عدتهم للتطاول على غيرهم من علماء هذه البلاد ودعاتها ومن سمع ما يقوله بعض السفهاء عن بعض العلماء سيقف حائراً مصدوماً لا يعلم ما يشل تفكيره هل هو الجرأة على سب أولئك الرموز أم مصدر ذاك القدح وانه من أبنائنا الذين تربوا وتعلموا بين ظهرانينا وحين جاء دور رد الدين والعطاء إذا هم يشهرون أسلحتهم وأقلامهم للطعن في علمائنا وأعرافنا بدلاً من الذب عنها ولكن لا نملك إلا أن نقول إن الله يميز الخبيث من الطيب ولو لم يرد الله كشف تلك الفئات التي تخالف تعاليم دينها بالتطاول على ولاة الأمر وعلماء الدين لما تفوهوا بكلمة واحدة ولا خطوا حرفاً، ولكن ,عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم.
د. فهد بن عبدالعزيز الغفيلي