صدق مَن وصف رمضان بأنه سيد الشهور، فهو خير الأشهر زمانًا، جعله الله موسمًا لطاعاته، فتنوعت فيه بين صيام، وصلاة، وصدقة، وتلاوة وذكر، وتخلٍّ عن ردئ القول والفعل، اختصه الله من بين شهور السنة كلها لتكون أيامه صيامًا، ولياليه قيامًا، ووعد مَن صام نهاره وقام ليله بمغفرة الذنوب جميعها، والقرب من الله رب العباد، يختصه بأجر لا يكون لغير الصوم من العبادات، أليس يقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى في الحديث القدسي: (كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، إلاّ الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، إنه ترك شهوته وطعامه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)، واختص ربنا عز وجل هذا الشهر بأن وقعت فيه، وتقع من الحوادث ما فيها عزة الإسلام، وتميّزه بين أديان الأمم، وسائر أنظمتها الدينية والدنيوية، فيه أُنزل القرآن الكريم في ليلة من أعظم لياليه، ألم يقل ربنا عز وجل: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3). والقرآن معجزة سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم الدالة على صدقه، فيما جاء به من عند ربه، تحدّى به ربنا فصحاء العرب أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور من مثله، أو بآية، فعجزوا عن الإتيان بشيء من ذلك، وسيظلون عاجزين وإن تطاول الزمان، بل وحتى تقوم الساعة، ويصف سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم فيقول: (كتاب ربنا تبارك وتعالى، فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل الذي ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدي في غيره أضله الله تعالى، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا تشبع منه العلماء، ولا يخلق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه)، وصلة المسلمين بالقرآن تزداد في شهر رمضان، فهو شهر تلاوته وتدبّر معانيه، تسمع للمسلمين في رمضان ليلهم مع النهار في بيوتهم ومساجدهم ودور عملهم دويًا بتلاوته يملأ الفضاء، وكلما غاب عنهم شيء من قيم الإسلام وآدابه استذكروه وأحيوه في هذا الشهر المبارك، وليلة القدر فيه يشتاق لإحيائها كل مؤمن، فلها من الفضل ما يسعى كل مؤمن أن يناله، ففي الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه)، ولهذا يهتم المسلمون بالعشر الأواخر من شهر رمضان، لانهم يتحرون هذه الليلة فيها، حيث إن سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد فيها ما لا يجتهد في غيرها. روت أم المؤمنين عائشة بنت ابي بكر الصديق -رضي الله عنهما- قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره، وأيقظ أهله)، فكان يحيي من الليل غالبه، وهما أعنى نزول القرآن الكريم، وليلة القدر، حدثان مهمان في شهر رمضان يميزانه عن بقية الشهور، وفيهما عز للإسلام وأهله، حيث إذا امتثلوا لله فيه بالطاعة، فيه تقربوا إلى ربهم، فاستجاب لهم الدعاء في كل ما رغبوا فيه إليه، من سعادة في الدارين، وأمن فيهما، وطلب نصر لهم على عدوهم، وفي رمضان أيضًا حدثان مهمان سنعرض لهما في مقالين تاليين، نخصص الأول: لفتح مكة ودروسه، وهو الحدث الذي بعده ساد الجزيرة كلها الإسلام، ولم يعد أحد من أهلها على غيره، وممّا جعلها اليوم ذات ميزة على سائر أقطار المسلمين، ثم غزوة بدر التي كان الانتصار فيها تمهيدًا لقوة دولة الإسلام وانتشار هذا الدين في سائر أقطار الدنيا، أسأل الله عز وجل أن يكون هذا الشهر لنا فيه المغفرة من الذنوب والرحمة التي تعم أقطارنا، والنجاة لكل مسلم من النار. إنه سميع مجيب الدعوات.
عبدالله فراج الشريف