اللافت للانتباه انه في مجتمعنا بدأت تبرز بعض المسميات التصنيفية لأفراد المجتمع كعلماني وليبرالي وإسلامي ونحوه وهو مالم يكن موجوداً منذ ثلاثة عقود تقريبا ومالم تقره شريعتنا الإسلامية التي تنهي دائماً عن مثل تلك التصنيفات كونها تصب في جانب التعصب الفئوي الذي نهى عنه ديننا الحنيف وكونها بكل تأكيد ستؤدي الى التفرق والتناحر بين افراد المجتمع الذي يقع ضحية لمثل تلك التصنيفات وفق تعريفات لمبادئ وقيم وتعاليم يختلف تفسيرها وتوصيفها وتوجيهها من فرد لآخر. ولعل التنامي اللافت لحركة تلك المسميات التصنيفية بمجتمعنا قد دفع بالكثير من الكتاب والمفكرين لطرحها كقضية متعسرة لايمكن ان تنتهي الى حل ناجع نظرا لتباين التفسيرات والتوصيفات لها ومن المؤكد ان ذلك الأمر قد دفع بخادم الحرمين الشريفين حفظه الله الى التنويه لذلك في أحد خطاباته والتنبيه على خطورتها على تماسك المجتمع لكن يبدو ان حالة العولمة الجارفة التي نعيشها وتحديدا عولمة الإعلام أدت الى نقل تلك المسميات التصنيفية نقلاً حرفيا متشعب المعنى مما أدى الى فتح المجال لكل فرد كي يدلو بدلوه كيفما يشاء وبما يشاء حول تحديد مفهوم كل مسمى منها وهذا بالتأكيد احدث الخلط والتزييف مما دفع بالبعض من ضعاف النفوس أو الجهلة الى تحويل تلك المسميات الى تهم صريحة يقذف بها البعض فنرى هذا يقذف اخاه في الاسلام بالعلمانية او الليبرالية او الاسلامية المتعصبة كالمتزمت او المتنطع ونحو ذلك ثم نرى تلك الاتهامات تتسع في مفهومها حتى نراها تصل الى حد الاتهام بالالحاد او الارهاب ونحوهما يوجهها من شاء الى من شاء وكيفما شاء ومن اللافت ايضاً ان تلك المسميات لا تستمد معناها من جانب لغوي بل من اصطلاحات فضفاضة قد تحتمل عشرات المعاني فعلى سبيل المثال العلمانية مفهوم قديم تعود جذوره الى الفلسفة اليونانية نتج عن صراع مرير عاشه الغرب المسيحي بعد ان غدت الكنيسة مصدرا للظلم والقسوة والاضطهاد لعامة الناس لمصلحة رجال الاقطاع الذين يستعبدون العامة من الناس فيستبيحون اموالهم وأعراضهم تحت مظلة الكنيسة ثم اتجاه الكنيسة لرفض النظريات الكونية والجوانب العلمية واعتبار ذلك خطراً يحلحل سيطرتها ورجال الاقطاع على عامة الناس فظهرت العلمانية كإطار علمي مناهض لمعتقدات الكنيسة وبقياس ذلك الواقع الظلامي للكنيسة المستبدة بواقع مبادئ وقيم وتعاليم الدين الاسلامي الحنيف نجد ان البون بينهما شاسع حيث ان الاسلام يحث في تعاليمه على العدل والمساواة بين افراد المجتمع كما يحث على التفكر والتدبر والتأمل وعلى طلب العلم وفك رموز الكون وأسراره ومن هنا يتضح لنا حجم الاختلاف بينهما مما يتنافى تماما مع اصل المفهوم وجذوره التاريخية لكن البعض للأسف اختلق المسمى التصنيفي ليقذف به الغير دون علم او دراية بأصول المفهوم التي انطلق منها فنراه يلونه بما يروق له من الالوان من خلال بعض التعريفات ذات الدلالة المجزوزة كالفصل بين الدين والدولة في الاسلام ونعلم ان الدين والدولة في الاسلام ممتزجان الى حد كبير في مختلف المناحي الحياتية .
اما الليبرالية وما يحدث حولها من الجدل الواسع فالمقصود بها باختصار شديد الحرية والمساواة وكما نعلم مدى تشديد ديننا الاسلامي الحنيف على هذين المبدأين العظيمين لكن البعض وللأسف الشديد بدأ يمد في حبال ذلك المفهوم ويستند في ذلك المد الى بعض الفلسفات الأوربية لمفكرين غربيين او لخيالات واسعة بدأ يطلقها عالمه الخيالي على ذلك المفهوم فيقول ان الليبرالية تعني الحرية المطلقة والمساواة المطلقة وهنا يحدث الخرق للمفهوم والخلق للصراعات التي انطلقت من تعريفات تجاوزت كثيرا حدود المعنى الحقيقي ومن هذا الاتساع بدات تبرز الخلافات التي ادت الى حد الوصف لمعتنقي هذا المبدأ بالإلحاد وهم بعيدون عن ذلك بعدا كبيرا .
وفي جانب مضاد لذلك الصراع غير المحمود نجد أن الاتهامات بدأت تكال الى البعض من الملتزمين من ابناء المسلمين فبدأت تكال لهم الاوصاف كالمتزمتين والصوفيين والمتنطعين ونحو ذلك .
ولو عدنا الى إعمال العقل بما يتفق ووسطية ديننا الحنيف وعقلانية تعاليمه لوجدنا ان كل تلك التصنيفات ماهي الا مسميات ابتكرها البعض من أعداء الاسلام كي يحدث الفرقة والبلبلة بين ابناء المسلمين ثم تلقفها بعض المتثيقفين او الجهلة ليرددها عن قصد أوغير قصد فيصيب بها مقتلا في المجتمع الاسلامي عجز عن فعله الاعداء .
وفي جانب اخر نرى ان البعض قد اختلق بعض المسميات التي نراها مخالفة لطبيعة الحال كتسمية بعض الجامعات والمدارس والمعاهد بمسمى الاسلامية ولو سألنا انفسنا اذا كانت تلك الجامعات او المدارس او المؤسسات اسلامية فمعنى ذلك ان قريناتها التي تقوم بنفس الدور وفي داخل مجتمعنا غير اسلامية وهذا فيه خلل عظيم ؟؟؟ فلماذا لانطلق مسمى الشرعية بدلا من مسمى الاسلامية حتى يتضح المسار بجلاء .
وفي الختام كم اتمنى من اجهزتنا الاعلامية ومؤسساتنا التربوية ان توقف ذلك الانحراف التصنيفي المقيت والله من وراء القصد .
د. محمد سالم الغامدي