د. عبد العزيز بن عبد الله الخضيري
الحديث عن الإعلام بكل وسائله وإداراته وموجهاته وعلاقاته لا يمكن أن يقف على مقال أو مقالين أو طرح واحد فقط، إنما يحتاج دائماً إلى الأخذ والرد والتحليل، ولعل من أهم القضايا التي يتم طرحها دائماً للحوار فيما يتعلق بالإعلام والقارئ هي قضية مَنْ يقود مَنْ؟! و مَنْ يوجه مَنْ؟! هل الإعلام هو مَنْ يقود ويوجه القارئ أو كما يطلق عليه الشارع؟ أم هل القارئ أو الشارع هو مَنْ يقود الإعلام ويوجهه؟ وبين هذين السؤالين تدور الكثير من الآراء والمقترحات والنتائج التي يجب الوقوف عليها ومراجعتها وتطويرها بما يخدم مستقبل واستقرار التنمية في السعودية بشكل خاص والعالم بشكل عام.
إن هناك اعتقاداً بأن الإعلام يقاد من خلال الفعل وردة الفعل التي يحدثها الشارع أو غيره من أدواته من السياسيين أو الاقتصاديين أو الاجتماعيين أو غيرهم ممن ربما يحركهم الشارع هم أيضاً لأخذ مواقف فيما يتعلق بالشأن العام الداخلي أو الخارجي.
إن انقياد الإعلام بكل وسائله وأدواته ورجاله نحو حراك الشارع والانطلاق معه في ركب الطرح والحوار والنقاش وربما النزول بالمستوى الفكري والطرح الإعلامي إلى مستوى الشارع، مع احترامي وتقديري لكل المقامات والألقاب والأشخاص، أمر لا يمكن القبول به والسماح له، لأن مثل هذا الانسياق الإعلامي يقودنا جميعاً نحو فوضى تفوق وتتجاوز الفوضى الخلاقة التي تحاول الولايات المتحدة فرضها على العالم بشكل عام وعلى العالمين العربي والإسلامي بشكل خاص.
إن الإعلام كسلطة أساسية ورئيسة في منظومة سلطات الدولة يجب أن يكون لها دور ورؤية وأهداف تترجم إلى برامج هدفها الأساسي هو الطرح الإعلامي ذو البعد التنموي المتكامل والشامل الذي يؤسس لاستقرار وأمن وتنمية اقتصادية واجتماعية، وهذا الأمر يتطلب تحديد القضايا الوطنية الأساسية التي تؤثر بشكل إيجابي أو سلبي في مسيرة التنمية في المملكة، فالإيجابي يتم طرحه للاستفادة من استمراره وتطويره وتعزيز انتشاره، والسلبي يتم القضاء عليه وعدم السماح له بالانتشار أو العودة للتأثير في وضع الوطن.
إن القضايا الوطنية الأساسية التي يجب على الإعلام أن يكون شريكا فيها هي ما يجب أن تقودنا نحو الطرح والمناقشة والتطوير وتقديم الحلول التي يشارك فيها الجميع بما يساعد على اقتراح الأفكار والرؤى الوطنية المشتركة ويعزز من اللحمة الوطنية ويقلل من الأثر السلبي للأحداث، خصوصاً تلك التي تدور وتدار من حولنا وتحاول الوصول إلينا.
لقد لفت نظري وأعياني محاولات البعض ممن اُبتلي بهم الإعلام السعودي بشكل خاص، وهم أبناء جلدته، في تشويه الأحداث اليومية التي تقع ضمن دولة بحجم المملكة مساحة وسكانا وعلاقات داخلية وخارجية ومحاولاتهم تضخيم الحدث وجعله مادة إعلامية تفوق الحدث ذاته واستجرار المتحدثين، خصوصاً من يدورون في فلك الجوفية الإعلامية لمقدمي بعض تلك البرامج، بحيث تبرز الصورة وكأنها قضية وطنية ومشكلة دولية تتطلب تدخل دول ومنظمات العالم في الشأن المحلي ولا يدرك مثل هؤلاء المحسوبين على الإعلام خطورة ما يقومون به وما يجيشونه من فكر ومواقف داخلية وخارجية ضد المملكة.
إن الدور الإعلامي الوطني المنضبط برؤية وهدف ورسالة هو ما يجب أن نعمل من أجله ونجعل من إعلامنا قائدا ومصححا لمسيرة التنمية والعطاء ونجعل منه الناصح والمرشد الأمين لصانع أو صناع القرار في المملكة، كما نجعل منه العين التي يرى منها الجميع قضايانا الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية والبيئية والإنسانية بشكل واضح وسليم، ونجعل من الإعلام المرجعية الأساسية والسليمة للطرح والنقد البناء والعين الرقيبة على حسن الأداء وسوئه، نفرق به بين ما يجب طرحه كقضايا وطنية تهم الجميع ومشكلات محلية لا تغني الجميع.
إن الإعلام اليوم وفي ضوء ما نشاهده من انفلات مهني وفكري سيغرق الجميع ويفقد القدرة على التوازن أو حتى العودة لما كنا عليه، لأن الطرح غير المنضبط ومحاولات البعض أن يكبر على حساب الجميع أولاً ثم الوطن ثانياً، وصدق المصطفى - عليه الصلاة والسلام - عندما شبهنا في هذه الحياة كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها، وأصاب بعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فآذوهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً.
هذا التوجيه النبوي يؤكد أن الأساس في الأمر هو حسن النية وعدم رغبة من هم في أسفل السفينة إيذاء من هم في أعلاها، ومع ذلك مثل هذا التصرف سيهلك الجميع، لأن حسن النية وحده لا يكفي للنجاة، إنما تضافر جهود الجميع للوصول بالسفينة إلى بر الأمان.
كلي أمل في القادم من الأيام أن تحقق سلطتنا الرابعة، الإعلام، هذا الدور وأن تكون القدوة في طرح قضايانا الوطنية المهمة للحوار والخروج بالرؤية الصائبة لعلاجها، وأن يكون إعلامنا عوناً لنا لا فرعون علينا. وفق الله الجهود المباركة التي تعمل من أجل وطن سعودي الانتماء، عربي اللسان، إسلامي المعتقد وعالمي الطموح.
وقفة تأمل
« ثناؤك في الدنيا من المسك أعطر
وخطك في الدنيا جزيل موقر
وكفك بحر والأنامل أنهر
رعى الله كفا فيه بحر وأنهر
أعيذك بالرحمن من كل حاسد
فلا زالت الحساد تغبي وتصغر»