صالح محمد الجاسر
دون الإعلان لا يمكن أن تقوم لأية وسيلة إعلامية تجارية قائمة مهما قلصت من مصروفاتها وبحثت عن موارد لإدارتها، ولهذا فالوسيلة الإعلامية التي لا تجد فيها أثراً للإعلان لا تخرج عن أمرين، إما أنها وسيلة إعلامية حكومية تدفع الدولة مصروفاتها، وإما أنها خاضعة لجهة تستفيد من خدماتها مقابل التمويل.
وفي السابق كانت وسائل الإعلام المرئي تبحث عن الإعلان لتمويل المؤسسة ككل، ثم تطورت الأمور وأصبح كل برنامج يسعى إلى تمويل إعلامي يحقق للمنتج والمذيع وطاقم البرنامج والوسيلة الإعلامية مورداً يغطي مصروفات البرنامج ويفيض.
ومن أجل الحصول على الإعلان أو ما يسمى الرعاية، أصبحت بعض البرامج تُعد حسب رغبة المعلن وتوجهاته، في حين يترك بعض المعلنين للمعد والمذيع حرية التصرف للوصول إلى المشاهد حتى ولو كان ذلك عبر الإثارة السيئة.
ولهذا نرى كثيراً من البرامج ذات الطابع التهريجي، أو برامج المسابقات التي يغلب على أسئلتها السخف والسطحية، فالمعلن لا يهمه من البرنامج إلا شهرة وجماهيرية من يقدمه أو قدرته على جذب المشاهد.
إذاً الإعلان هو الفيصل في أي عمل إعلامي، وإذا ما كان متحرراً من الضوابط ولا يخشى القائمون عليه غضبة المستهلك المستهدف بالإعلان، فهم على استعداد لتخطي أي حاجز من دين أو عرف أو أخلاق في سبيل الوصول إلى المستهلك ، فالمال هو الهدف بالدرجة الأولى والأخيرة.
وقبل عدة سنوات عرضت إحدى القنوات المصرية برنامجاً عن فتيات روين ما يقمن به من أعمال منافية للآداب، ثم اتضح أن ما تحدثن عنه كان مجرد تمثيلية طُلب منهن أن يؤدين أدوارها، ويقلن ما قلنه بحثاً عن الإثارة التي كانت طابع ذلك البرنامج.
وبعد اكتشاف هذه اللعبة ثارت ثائرة المجتمع المصري، وكان من نتيجة ذلك هروب مقدمة البرنامج رغم شهرتها، خوفاً من العقاب الذي كان ينتظرها، وتوقف البرنامج.
ومؤخراً عرضت إحدى القنوات الفضائية اللبنانية حواراً مع شاب سعودي تحدث خلاله عن انحرافاته وكيف تتم، وبعد أن أثيرت القضية عبر وسائل الإعلام وخرجت مطالبات بمعاقبته، برزت أقوال تشير إلى أن ما جرى كان مختلقاً من قبل الشاب والقناة بهدف الإثارة، وبالطبع هذا لا يمكن أن يعفي الشاب أو القناة من المساءلة القضائية مهما كانت المبررات.
وعودة إلى عنوان هذا المقال وهو غياب سلطة المستهلك، نجد أن هذا الغياب نتج عنه ما نراه من فوضى إعلامية خاصة، عبر القنوات الفضائية، فالمعلن لو كان يتوقع ردة فعل غاضبة ضد منتجاته لأنه استخدم أسلوباً مسيئاً في إعلاناته، أو لأنه مول برنامجاً أو قناة تسيئ إلى المستهلك، لما تجرأ على دفع هذه الأموال الطائلة لرعاية برامج لا تحمل أي هدف سوى البحث عن الإثارة.
إن ما نحتاج إليه كمجتمعات عربية هو تعزيز مفهوم الرقابة الشعبية على وسائل الإعلام، ليس عبر الاحتجاج على ما ينشر ويبث فحسب، بل عبر البحث عمن يمول هذه البرامج ومحاسبته على ما يرعاه من إساءات، سواء عن طريق رفع قضايا قانونية ضده، أو عبر تجنب منتجات شركاته، وهنا سنرى كيف أن سلطة المستهلك قادرة على تحويل توجهات تلك القنوات والبعد بها عما يمس الدين والأخلاق.