صالح محمد الجاسر
يبدو أن موجة المسلسلات التركية التي شغلت كثيراً من الناس العام الماضي قد عادت من جديد بشخوصها وفكرتها المملة واصطناع الأحداث والضحك على المشاهد المشدود خلف الشاشة ليتابع ما يقوم به النجم الأوحد من حركات وافتعال مواقف.
ففي العام الماضي رأيناً كيف كانت متابعة الناس لتلك المسلسلات وما نتج عن تلك المتابعة من تأثر الكثيرين والكثيرات بشخصيات المسلسل واندفاعهم للبحث عن أماكن تصوير المسلسل، بل عرض مبالغ طائلة من أجل الحصول على بعض قطع أثاث تلك الأماكن.
ثم تتالت المسلسلات التركية لتكون تكراراً للفكرة والمواقف المفتعلة والتصوير في المكان نفسه، وكأن تركيا بمدنها ومعالمها شارع واحد وفندق واحد ومستشفى واحد، بل مركز شرطة وحيد.
في هذه الأيام بدأت موجة المسلسلات التركية تعود من جديد عبر مسلسل يعتمد على ممثل واحد حقق انتشاراً كبيراً العام الماضي فصُنع له مسلسل كامل بفكرة لا تبتعد عن أفكار المسلسلات السابقة: فتاة يتم تزويجها لشاب وهي تريد آخر، فيشجعها بعض أفراد عائلتها على الهرب مع من تريده، فتهرب معه من ألمانيا إلى إسطنبول ويرسل الأب من يبحث عنها، وتدور أحداث لا تحترم عقل المشاهد، فالجميع يسكنون في شارع واحد ويتناولون طعامهم في المكان نفسه، بل يركبون سيارة الأجرة نفسها ويمرون بجانب بعض دون أن يرى أحدهم الآخر. ويسير المسلسل على هذا المنوال، مطاردات ومواقف مفتعلة، ولا يعلم إلا الله متى ينتهي هذا المسلسل، فالمسلسلات التركية تتميز بالتمطيط وافتعال الأحداث وحلقاتها بالمئات.
خطورة هذا المسلسل أنه يحمل رسائل سيئة للشباب والشابات عبر فكرة مخالفة للفطرة، وهي الهرب من زواج شرعي إلى رفقة رجل آخر، وتتابع الأحداث التي تجعل من هذا الانحراف أمراً طبيعياً يتفاعل معه المشاهد الذي يصبح بحكم التأثير مؤيداً لهذا السلوك ومبسطاً لتبعاته.
من يتابع هذه المسلسلات وما تحظى به من دعاية واسعة ومتابعة كبيرة يشفق على تلك الدعوات والمناشدات التي تصدر من بعض مَن يهمهم الحفاظ على أخلاق أبنائنا، ونرى تصريحاتهم التي تحث على الفضيلة وتحذر من الاندفاع خلف الكلام المعسول الذي يؤدي إلى الانحراف في أماكن منزوية من الصحف قياساً بالدعاية الكبيرة التي تحظى بها هذه المسلسلات.
خطورة ما تبثه القنوات الفضائية لا تتوقف على هذه المسلسلات، بل تمتد إلى ما يُعرض من أفلام أجنبية مترجمة، بعضها يُعرض في أوقات اجتماع الأسرة وتتضمن كلماتٍ سيئة لا يمكن أن تسمح الدول الغربية المنتجة لها بعرضها في مثل هذه الأوقات وبهذه الطريقة دون تحذير من محتواها.
بل الأغرب أن بعض القنوات الفضائية حين تعرض هذه الأفلام تحجب الصوت عن الكلمة السيئة وتعرض ترجمتها إلى اللغة العربية، وهي بهذا تخشى أن تسيء إلى المشاهد الذي يتابع الفيلم بلغته، في حين لا تكترث بمن تمت الترجمة لهم.
إن جميع الجهود المخلصة لحماية الشباب والشابات من الانحراف لن تؤدي إلى نتيجة طالما أن هذه المسلسلات والأفلام تغذي هذا الانحراف وتُعرض دون ضوابط تحفظ للمجتمع أخلاقه.
وقديماً قيل:
متى يبلغ البنيان يوماً تمامه*** إذا كنتَ تبنيهِ وغيرك يهــــدم