أحيانا يكون وهمك المسبق بفهم الأشياء، مدعاة لوقوعك في الخطأ. الأمر شبيه بسلوك طريق تعتقد أنه سيوصلك إلى منزل صديق، لكنك سرعان ما تكتشف أنك لن تصل، لأنك كنت تتخذ الاتجاه المعاكس.
هذه حقيقة يجهلها البعض، ولكن الجاهل أحيانا ينهمك في توجيه اللوم لكل شيء إلا نفسه. وهذا لا يساعد على تصحيح المسار.
احتمالات أن تقف في الصحراء، في مكان منعزل، بعيدا عن الناس، لبيع بضاعة، لا يمكنها أن تعطي إلا نتيجة واحدة: تكريس الخسارة. وأي وهم يعتمد على صيغة (قد) الاحتمالية، تعكس لا مبالاة في بناء الرؤية.
هذا الأمر ينسحب على أمور كثيرة، بعضها مهني وبعضها معنوي. وتجارب الحياة لا يمكن أن يصوغها الإنسان بالأمنيات. الأمر ليس لغزا أو أحجية. كل شيء له ثمن. التعليم يتطلب جهدا. وزيادة المعرفة وتوسع المدارك لهما ثمن.
وعندما قال جدنا العربي ذات يوم: كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة، كان يختزل من خلال ذلك تجربة حياة. فالعبرة دوما ليس فيما تقول، بل ما تفعل. وهي النتيجة ذاتها التي رددها بوذا أيضا، حين أكد أن المعرفة ليست شيئا تتعلمه بل فعل تمارسه. والقرآن الكريم، أورد تشبيها لمن يعرف دون أن يعمل بالحمار "الذي يحمل أسفارا". فالكتب التي يحملها هذا الحمار لن تغير واقعه أبدا. وكذلك الأمر في السلوك الإنساني.
وغرور المعرفة وأحيانا غرور المال، فخ لا يمكن الفكاك منه. ولهذا تتكرر أيضا الصور القرآنية التي تحذر من مثل هذا الصلف. وفي سورة الكهف نقرأ كل جمعة: (ودخل جنته وهو ظالم لنفسه، قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا) إلخ الآيات الكريمة، لكن القليل جدا من يحاول أن يعكسها على الواقع، ويتأمل. بعض الصمت ضرورة إنسانية.