مبدأ حماية الدول الكبرى للصغرى تربطه مصالح ومنافع عليا، كأن تكون تلك الدول تسيطر على مواقع استراتيجية تخل بالتجارة العالمية، أو تقع على ثروات كبيرة، أو تحويلها قواعد ضد معسكرات مضادة، وما عدا ذلك لم يعد يهمّ الدول الكبرى ذات الأساطيل، والأقمار والتقنيات المتقدمة التي تدعمها الأرصدة المالية والعسكرية..
منطقتنا العربية خضعت لحالات استقطاب منذ الاستعمار وإلى اليوم ، ولعل من يزعم أن القوة العربية مجتمعة توازي قوة إسرائيل، ليس من حيث الكم، بل من حيث النوع مخطئ ؛ حيث نجدها أعلى إنتاجاً وتقنية حتى إن راداراتها ، وطائراتها بدون طيار وأقمارها الصناعية، عدا ترسانتها النووية وسلاحها البري والبحري وأحدث أساطيلها، جعلت المنطقة العربية مكشوفة أمامها عسكرياً، ونحن هنا نأخذها كرمز لدولة صغيرة الحجم والإمكانات استطاعت أن تكون قوة ضاربة، وحتى لو قبلنا بأن قوتها تمت تحت غطاء مادي وتقني من أمريكا وأوروبا، فتوليد الإنسان ودمجه في هذه العملية بحيث يطل العالِم من خلال الجامعة، والمبتكر من مراكز البحوث، وتقنين ساعات العمل وفق نظم صارمة ومنضبطة، أدت بها إلى أن تكون علامة مختلفة مع جوارها العربي..
نحن الآن كيانات هشة، والدليل أن القطبية المتنازعة علينا تحاول إما إدخالنا في دائرتها، أو إجبارنا على الخضوع لإرادتها، وقد تحددت في ثلاث دول: تركيا وإيران وإسرائيل، وقد تجمعها المطامع في المنطقة، وتفرقها بمن يحصل على أكبر قدر من الكعكة العربية، وخير مثال عندما شعرت الصين أن حلفيْ الأطلسي، ووارسو يتآمران عليها للحد من أي نمو لقوتها، فاجأت العالم بتفجير قنبلتها النووية، ونتيجتها كان اللقاء بين وزير خارجية أمريكا ، ورئيس وزراء الصين «شو إن لاي» عندما قال كيسنجر على سبيل فرد العضلات «إن لدينا قنابل ستقلب الأرض ثلاث مرات» ردّ شو إن لاي قائلاً «سيبقى من سكان الأرض أربعة ملايين صيني سيقومون بإعمار الأرض»!!
الأمة العربية مهددة بمصادرها الأساسية المياه كعنصر أساسي، ونضوب ثرواتها القومية الأخرى، يضاف إليها حالات الانقسام والإرهاب، وبروز حروب الأقليات وانفصالها، ومع أن بعض الدول اعتمدت التجنيد الإجباري كاحتياطي بشري لحملة السلاح عند أي تهديد خارجي، إلا أن طبيعة التدريب مجرد أداء واجب قانوني، بينما في بلد مثل سويسرا تعد عسكرياً من أقوى الجيوش، والسبب أن حضور التدريب يخضع إلى سن الستين، والمشكل أننا عشنا وهْم حماية الغرب للدول اليمينية بعرف اليساريين، ومن تعلقوا بالمنظومة الاشتراكية ممن اعتقدوا بنفس الحكاية بالدعم والحماية، وكلتا التجربتين خضناها بتقديرات خاطئة وإفلاس تام..
الآن ونحن أمام تحديات أمنية، ومخاطر تمس حياتنا من جوانبها الاقتصادية وهوياتنا الوطنية، نجد أن اهتماماتنا لم تصل إلى القناعة بأننا محاصرون من أكثر من جهة، لكن خصوماتنا على تعليقٍ أو تصريح، أو لعبة ما، قد تُفشل أي بادرة أمل للتنسيق الأمني، أو اتفاقات اقتصادية، ولعل دول الخليج بالذات هي من يجب أن يستشعر الخطر ويتحرك وفق منهجية سياسية وأمنية لا تطغى عليها العواطف أو تستسلم لمن سيكون مدافعاً عنها بأي حالة طوارئ تنشأ..