دخل الإسلام بلداناً لها أديان ومذاهب وآثار عامرة بالتماثيل والصور ، وحانات خمور ولحوم خنازير، ونساء كاشفات، وخرافات وسحر وعبادات وثنية، ومع ذلك لم يأخذ الأمور بالتطرف باقتلاع كل شيء حتى يثير الشارع والمجتمع، وإنما أدرك أن التحولات تأتي بالدعوة، لا بالقسوة، وكان انتشاره مذهلاً حتى في أوساط متدينة بغير عقيدته، وظل مثالاً في العدل، والانتصار للمظلوم، وظلت المرأة المقهورة والمستعبدة هدفاً لتحريرها وتخليصها من القهر الذي يمارس عليها..
الإسلام السياسي هو الذي نقلنا من حالة التلقائية والبساطة، إلى تفسير كل شيء بضده، وقد كانت البدايات الأولى للكفاح السلمي، كما هي حالة الزوايا السنوسية، والعسكري كما جرى في مصر وبلدان عربية أخرى نموذجاً لصلابة الإرادة الوطنية التي يحميها الدين، لكن تلك المرحلة ما لبثت أن أخذت اتجاهاً آخر فصار النزاع على السلطة والتحزب، والأخذ بمبدأ «من لم يكن معنا، فهو ضدنا» أسلوباً ومنهجاً يغايران الدعوة المتسامحة للحق، فظهر التكفير ووضع الأشخاص في ميزان يفوق الأشخاص العلماء بالعقيدة، ونشأ في ظل ذلك دعوات مختلفة وانقسامات حادة وصل بعضها إلى أعلى مراحل التطرف بفتوى القتل والتدمير لكل من يخالف أفكار تلك الفئات وطروحاتها..
الآن نحن في خضم تداول أفكار بعضُها من طروحات طالبان بتحريم تعليم المرأة وخروجها، وقفل دور السينما ومحطات «التلفزيون» ، وأخرى نشأت في ظل اجتهادات أقرب إلى مخالفة المنطق كإرضاع الكبير، وفتح جامعات لتدريس وتحليل الرؤيا، وإنذار المواطنين في الصومال وإعطائهم مهلة شهر بإطالة اللحى وحف الشوارب، ونزاعات بين من يرى في الاختلاط أمراً واقعياً باعتبار المعايشة بين النساء والرجال تحدث في كل مكان، وآخر يحلل الموسيقى والتصوير قاطعاً الخط على معارضي ذلك، وأن الزي الإسلامي ليس الثوب والغترة .. الخ
الإسلام فتح دور العبادة وكان المسجد عامراً بمختلف العلوم، أي جامعة تتداول الأفكار والمعارف فيما يتعلق بالدين والمجتمع، وكان الإسهام في الحضارة الإنسانية عظيماً حتى إن كتاباً للمستشرقة الألمانية «زيغريد هونكه» الذي عنونته ب«شمس العرب تسطع على الغرب» يعد من أعظم الكتب التي أنصفت تاريخنا وأعطت حجماً هائلاً لعلمائنا بدءاً من المشاهير إلى أولاد موسى وابن النفيس مكتشف الدورة الدموية، وغيرهم..
إسلام اليوم، وبهذه الصور المتناقضة تحول في عصر تعميم النشر وسرعة إيصال المعلومة، إلى ميدان حرب مضادة، حيث صوّر من خلال الأفلام والدراسات الدينية والاجتماعية والصحافة العالمية بأنه مناقض لكل منجز حضاري، وهي مشكلة إسلامية قبل أن تكون من أعداء الإسلام لأن من قاموا بنشر أعمال الإرهاب، وأصدروا الفتاوى والتصريحات، وتسلل الإرهابيين إلى مختلف مدن العالم، وضعونا على خط النار مع عالم أقوى منا اقتصادياً وعسكرياً وسطوة إعلامية رهيبة، وهي قضية حوّلت أسلحتنا إلى قتلنا، وبالتالي ما لم تكن وقفة علماء المسلمين المستنيرين إيجابية تحاور من منطق عقلاني، فإننا سنظل هدفاً لأسلحة وأفكار غيرنا المضادة والقاتلة..