ليس الإسلام مجموعة نصوص قابلة للنقض والقطع والحذف، بل هو دين متكامل استطاع الثبات في أسوأ أيام المسلمين السوداء، ولولا القيم التي يحملها لربما تعرض لهزات كبيرة، وخاصة في أزمنة حروب الأديان واعتباره الحاجز الأهم في الدفاع عن أتباعه والمؤمنين به..
الحرب على الإسلام لم تنحصر في أعدائه من الملل الأخرى، وإنما أيضاً ممن لديهم اعتباراتهم الشخصية أو العقدية، فهناك من حاول حذف «قل» في عدة سور مستنداً إلى أن الخطاب أثناء الوحي جاء من الله عز وجل لنبيه (صلى الله عليه وسلم) وبموته تنتفي قيمتها، وآخر يحاول استبدال الهدْي والأضاحي بدجاج، ثم هناك من يريد أن يصعد بتيار التعصب المذهبي بدعوة من إمام في أحد مساجد إيران استبدال القبلة في مكة المكرمة إلى مشهد، وقد يأتي من يضع الأقصى جهة للقبلة وفقاً لتراتبية الزمن..
الإسلام ليس لعبة يتداولها متعصبون يزعمون أن الرأي في أمور كهذه، يعد اجتهاداً، ولو طبقنا هذا المقياس لاعتبرنا من خرج عنه من ملحدين وزنادقة ومشكّكين أنهم أصحاب وجهات نظر، وفارق بين نص لا يقبل التأويل سواء في أمور العبادات والمقدسات، أو السنن وغيرها، وأصحاب الاعتقادات التي لا تُبنى على قاعدة ثابتة غير قابلة للتغيير، ولا يمكننا حصر الخروقات الكبيرة التي أعلت من قيمة المذهب والطائفة على ثوابت الشرع، والخطورة هنا أن هذه المزاعم تجد من يروّج لها، وإذا ما نظرنا إلى نسب الأمية في العالم الإسلامي وتأثرهم بقادتهم الروحيين، فإن الأمور قد تخرج من الرأي إلى الأتباع، وهذا ما يتفق والحملات التاريخية التي عجزت عن أن تحتويه اجتماعياً وسياسياً وبكل المغريات لأن يتحول لدين آخر، لكن أن تأتي الخروقات من مسلمين فالسلاح سيكون أخطر، وخاصة أن التواصل بتقنيات العصر قادر على أن يعمم أي فكرة إذا ما جاءت من إمام وخطيب أو زعيم سياسي..
المشكل أن تلك الآراء هي أقرب إلى السذاجة والسخف من أن تُحدث تغييراً في نص قرآني، أو سنّة شريفة، أو الانحراف عن قبلة المسلمين، لكنها موجات من التشويش قد تكون الغاية غائبة، ولكنها مقدمات لغايات أخرى..
الإسلام يتمدد ويتسع لكن مصادر الخطر تكمن في المسلمين أنفسهم عندما يحترف إرهابيّ القتل باسم الجهاد، أو من يعطي تفسيراً منحرفاً، أو من يضع مذهبه فوق الألوهية والنبوة لإحلالهما بالبشر من أئمة العصر..
ومثلما ادعى الكثيرون النبوة، وحاولوا صياغة أقوال ورؤى ومفاهيم كدعوات جديدة، أسقطتها الحقيقة، فإن حالات الشذوذ بالأفكار جزءٌ من فعل يحاول مناقضة الثابت بالمتغير، وهي أمور ساقطة سلفاً، لكن التشويش بذهنية المؤمن الضعيف الأقرب للسذاجة والطاعة العمياء ربما يقبل بهذه الدعوات، وبالتالي فعلى العلماء ممن يملكون الحجة أن لا يخضعوا المسلمين لهذه الدعايات، لا بإعلان الحروب الطائفية والمذهبية، وإنما بالحوار وبعث النصوص الصحيحة وبأسلوب عملي يتفق وعصرنا الذي تضاعفت فيه موجات التشويش..