الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد
فيقول الله تبارك وتعالى مخاطبًا نبيه وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ الأنبياء
فتأمل هذا البيان القرآني الرائع بنوره الشامل الكبير، الذي يشمل المكانَ كله، فلا يختص بمكان دون مكان، والزمانَ بأطواره المختلفة وأجياله المتعاقبة، فلا يختص بزمان دون زمان، وكذلك الحالات كلها سلمها وحربها، فلا يختص بحالة دون حالة، والناس أجمعين، مؤمنهم وكافرهم، عربهم وعجمهم، فلا يختص بفئة دون فئة؛ ليجعل الإنسان يقف مشدوهًا متأملاً في عظمة الوصف القرآني في رحمة عامة شاملة، تجلت مظاهرها في كل موقف لرسول الله تجاه الكون والناس من حوله حتى شهد القاصي والداني والعدو والصديق بعظمة الرسول والرسالة، مما كان له أكبر الأثر في دخول الناس في دين الله أفواجًا، فعمت الأرض الرحمة ببركة دعوة رسول الله
ويأتي هذا المقال بيانًا وتوضيحًا لدور المسلمين البنّاء في نشر رسالة الإسلام في العالمين، وذلك من خلال أخلاقهم، وحُسن معاملتهم لغيرهم من أتباع الملل الأخرى؛ مما جعلهم يدوّنون ويقرون في اعترافاتهم بكل حب ما صنعه المسلمون من سلوك أخلاقي عظيم في العفو والصفح والتسامح
من مظاهر العفو والتسامح في الإسلام
لقد كان الخُلق الرفيع الذي تعامل به النبي من الحلم والعفو والإحسان إلى الناس من أعظم الأسباب في إجابة دعوته، ودخول الناس في دينه، واجتماع القلوب عليه، ومن أدل الأمثلة على ذلك ما يلي:
موقف النبي من ثمامة بن أثال
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال بعث رسول الله خيلاً قِبل نجدٍ، فجاءت برجلٍ من بني حنيفة، يقال له ثمامة بن أثال، سيد أهل اليمامة، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه رسول الله فقال «ماذا عندك يا ثمامة؟» فقال عندي، يا محمد خيرٌ، إن تقتل؛ تقتل ذا دمٍ، وإن تنعم؛ تنعم على شاكرٍ، وإن كنت تريد المال، فسل؛ تُعط منه ما شئت
فتركه رسول الله حتى كان بعد الغد فقال «ما عندك يا ثمامة؟» قال ما قلت لك، إن تُنعم؛ تنعم على شاكر، وإن تقتل؛ تقتل ذا دمٍ، وإن كنت تريد المال، فسل؛ تعط منه ما شئت، فتركه رسول الله حتى كان من الغد، فقال «ماذا عندك يا ثمامة؟» فقال عندي ما قلت لك، إن تُنعم؛ تُنعم على شاكر، وإن تقتل؛ تقتل ذا دمٍ، وإن كنت تريد المال، فسل؛ تُعط منه ما شئت فقال رسول الله «أطلقوا ثمامة» فانطلق إلى نخل قريب من المسجد، فاغتسل، ثم دخل المسجد، فقال أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، يا محمد، والله ما كان على الأرض وجهٌ أبغض إليَّ من وجهك؛ فقد أصبح وجهك أحبّ الوجوه كلها إليَّ، والله ما كان من دين أبغض إليّ من دينك، فأصبح دينك أحب الدين كله إليّ، والله ما كان من بلدٍ أبغض إليَّ من بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إليّ، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة، فماذا ترى؟ فبشّره رسول الله وأمره أن يعتمر، فلما قدم مكة قال له قائلٌ أصبوتَ؟ فقال لا، ولكني أسلمتًُ مع رسول الله ، ولا، والله، لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطةٍ حتى يأذن فيها رسول الله » متفق عليه
قال الحافظ في الفتح «وفي الحديث تعظيم أمر العفو عن المسيء؛ لأن ثمامة أقسم أن بغضه انقلب حبًّا في ساعة واحدة؛ لما أسداه النبي من العفو والمنّ بغير مقابل، وفيه الاغتسال عند الإسلام، وأن الإحسان يُزيل البغض ويُثبّت الحب، وأن الكافر إذا أراد أن يعمل خيرًا ثم أسلم؛ شُرع له أن يستمر في عمل ذلك الخير، وفيه الملاطفة بمن يرجى إسلامه من الأسرى إذا كان في ذلك مصلحة للإسلام، ولاسيما من يتبعه على إسلامه العددُ الكثير من قومه، وفيه بعث السرايا إلى بلاد الكفار، وأسر من وُجد منهم، والتخيير بعد ذلك في قتله أو الإبقاء عليه»
وفي فعل رسول الله ذلك الفعل الرشيد ألا وهو ربط ثمامة في المسجد من الفقه ما لا يخفى، وذلك والله أعلم حتى يستمع ثمامة إلى القرآن الذي يُتلى، ويرى الصلوات وحال المسلمين فيها، وينظر إلى أخلاق المسلمين عن قرب، بعيدًا عن النقولات الكاذبة والتشويشات التي يشوش بها أهل الكفر وأهل الإسراف على المسلمين، وكذلك بعيدًا عن الأراجيف والشائعات، فإذا رآهم وعرف حقيقتهم ورآهم في صلواتهم، وسمع قول المؤذن الله أكبر، الله أكبر، وقول المؤذن لا إله إلا الله، ورأى صفوف المسلمين، ورأى توقير المسلمين لرسول الله ، مما يراه الداخل عليهم والمختلط بهم؛ فحينئذ يسلم وينشرح صدره للإسلام للصورة الطيبة التي رآها منهم
وصية النبي للفاتحين وبيان آداب الغزو
عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال كان رسول الله إذا أمر أميرًا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين، ثم قال «اغزوا بسم الله، وفي سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدًا طفلاً مسلم
قال الإمام النووي في شرح مسلم «في الحديث فوائد مجمع عليها وهي تحريم الغدر وتحريم الغلول وتحريم قتل الصبيان إذا لم يقاتلوا وكراهة المثلة واستحباب وصية الإمام أمراءه وجيوشه بتقوى الله »
وصية النبي بأهل الذمة خيرًا والتحذير من ظلمهم والاعتداء عليهم
لقد شملت سماحة النبي أهل الكتاب في كافة المجالات، فقد أوصى بالقبط خيرًا وأهل الذمة فقال «إذا فتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرًا، فإن لهم ذمة ورحما» أخرجه الحاكم وصححه الألباني وقال «إنكم ستفتحون أرضًا يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرًا فإن لهم ذمة ورحما» رواه مسلم ، وقال محذراً من العدوان عليهم «من قتل رجلاً من أهل الذمة لم يجد ريح الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين عامًا» صحيح الجامع ، وقال من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا» صحيح الجامع ، وقال «ألا من ظلم معاهدًا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة» أخرجه أبو داود وصححه الألباني
من وصايا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأهل الذمة
كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عمرو بن العاص عامله على مصر «إن معك أهل ذمة وعهد، وقد أوصى رسول الله بهم، وأوصى بالقبط، فقال استوصوا بالقبط خيرًا فإن لهم ذمة ورحمًا» أصل الحديث في صحيح مسلم
وذكر أبو يوسف في كتابه «الخراج» أن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه مر بشيخ من أهل الذمة يسأل عند أبواب المساجد بسبب الجزية والحاجة والسن، فقال ما أنصفناك إن كنا أخذنا منك الجزية في شبيبتك، ثم ضيعناك في كِبرك، ثم أجرى عليه من بيت المال ما يُصلحه، ووضع الجزية عنه، وعن ضربائه أمثاله
ولما تدانى أجل عمر بن الخطاب أوصى من بعده وهو على فراش الموت بقوله «أوصي الخليفة من بعدي بأهل الذمة خيراً، وأن يوفى لهم بعهدهم وأن يقاتل من ورائهم، وألا يكلفهم فوق طاقتهم كتاب الخراج يحيى بن آدم
اعترافات وشهادات المنصفين بعظمة أخلاق المسلمين الفاتحين
أ.عن العهدة العمرية التي منحها عمر بن الخطاب حماية للمسيحيين قال «نصري سلهب» العهدة العُمرية التي منحها ابن الخطاب لأهل بيت المقدس هل تعدلها عهدة في التاريخ نبلاً وعدلاً وتسامحاً؟ «بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أعطى عبدالله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين أهل القدس من أمان أعطاهم أمانًا لأنفسهم ولأموالهم ولكنائسهم لا يُكرهون على دينهم ولا يُضار أحد منهم » أي خاسر حربًا من حروب التاريخ حظي بمثل هذه العهدة من غالب منتصر؟ ويبقى المسلمون في الشرق وفي فلسطين بالذات، ثلاثمائة سنة وألفًا فلا يمس فيها للمسيحية أثر بل تستمر الكنائس في حرمة ومنعة لقاء المسيحية والإسلام
فرح المسيحيين بالفاتحين المسلمين
ب. وشهد شاهد من أهلها بعفو المسلمين وتسامحهم فيقول «توماس أرنولد» في كتابه «الدعوة إلى الإسلام» ما نصه «ولما بلغ الجيش الإسلامي وادي الأردن، وعسكر أبو عبيدة في فحل، كتب الأهالي المسيحيون في هذه البلاد إلى العرب المسلمين يقولون «يا معشر المسلمين، أنتم أحب إلينا من الروم، وإن كان الروم على ديننا، أنتم أوفى، وأرأف بنا، وأكفّ عن ظلمنا، وأحسن ولاية علينا، ولكنهم غلبونا على أمرنا ومنازلنا» قال «وغلّق أهل مدينة حمص أبواب مدينتهم دون جيش هرقل، وأبلغوا المسلمين أن ولايتهم وعدلهم أحب إليهم من ظلم الإغريق وتعسفهم» وبذلك «ظهر أن الفكرة التي شاعت بأن السيف كان العامل في تحويل الناس إلى الإسلام بعيدة عن التصديق، فإن الدعوة والإقناع كانا هما الطابعين الرئيسين لحركة الدعوة هذه، وليس القوة والعنف» اهـ
فاتحون اتصفوا بالعدل والرحمة
جـ. ويقول غوستاف لوبون قولته المشهورة «ما عرف التاريخ فاتحًا أعدل ولا أرحم من العرب»، ومما يذكره التاريخ أن التتار لما غزوا بلاد الإسلام ووقع كثير من المسلمين والنصارى في أسرهم، ثم عادت الغلبة للمسلمين، ودان ملوكهم بالإسلام، خاطب شيخ الإسلام أمير التتار بإطلاق الأسرى، فسمح له الأمير التتاري بفك أسرى المسلمين، وأبى أن يسمح بأهل الذمة، فقال شيخ الإسلام «لا بد من فك الأسرى من اليهود والنصارى؛ لأنهم أهل ذمتنا فأطلقهم له» حرية الاعتقاد ناصح علوان
فاتحون لا يعرفون العنف ولا الإرهاب
د. يقول المؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون في كتابه «حضارة العرب» وهو يتحدث عن سر انتشار الإسلام في عهده وفي عصور الفتوحات من بعده «أثبت التاريخ أن الأديان لا تُفْرَض بالقوة، ولم ينتشر الإسلام إذن بالسيف، بل انتشر بالدعوة وحدها، وبأخلاق المسلمين اعتنقته الشعوب التي قهرت العرب مؤخرًا كالترك والمغول، وبلغ القرآن من الانتشار في الهند التي لم يكن العرب فيها إلا عابري سبيل، ما زاد عدد المسلمين أضعاف ما كان عليه، ولم يكن الإسلام أقل انتشارًا في الصين التي لم يفتح العرب أي جزء منها قط»
قال جواهر لال نهرو إن العرب كانوا في بداية يقظتهم متقدين حماسًا لعقيدتهم، وإنهم كانوا مع ذلك قومًا متسامحين؛ لأن دينهم يأمرهم بالتسامح والصفح، وكان عمر بن الخطاب شديد الحرص على التسامح عندما دخل بيت المقدس، أما مسلمو إسبانيا فإنهم تركوا للجالية المسيحية الكبيرة هناك حرية العبادة، والواقع أبرز ما يميز هذه الفترة من التاريخ هو الفرق الشاسع بين العرب المسلمين وتعصب النصارى الأوروبيين قالوا عن الإسلام
لا إكراه في الدين شعار المسلمين الفاتحين
قال توماس أرنولد لم نسمع عن أية محاولة مدبرة لإرغام الطوائف من غير المسلمين على قبول الإسلام، أو عن أي اضطهاد منظم قصد منه استئصال الدين المسيحي، بل إن مجرد بقاء هذه الكنائس حتى الآن ليحمل في طياته الدليل القوي على ما كانت عليه سياسة الحكومات الإسلامية بوجه عام من تسامح نحوهم» الدعوة للإسلام ص
وتقول زغريد هونكه المستشرقة الألمانية
«لا إكراه في الدين» هذا ما أمر به القرآن، وبناءً على ذلك فإن العرب لم يفرضوا على الشعوب المغلوبة الدخول في الإسلام، فالمسيحيون واليهود الذين لاقوا قبل الإسلام أبشع أمثلة للتعصب الديني وأفظعها؛ سمح لهم جميعًا دون أي عائق يمنعهم من ممارسة شعائر دينهم، وترك لهم المسلمون بيوت عبادتهم وأديرتهم وأحبارهم دون أن يمسوهم بأدنى أذى، أوليس هذا منتهى التسامح؟ أين روى التاريخ مثل تلك الأعمال ومتى؟ ومن ذا الذي لم يتنفس الصعداء بعد الاضطهاد البيزنطي الصارخ وبعد فظائع الأسبان واضطهادات اليهود؟
إن السادة والحكام المسلمين لم يزجوا بأنفسهم في شئون تلك الشعوب الداخلية، وبطريرك بيت المقدس يكتب في القرن التاسع الميلادي لأخيه بطريرك القسطنطينية عن المسلمين العرب «إنهم يمتازون بالعدل ولا يظلموننا ألبتة، وهم لا يستخدمون معنا أي عنف» شمس العرب تسطع على الغرب ص
صور من العفو والتسامح عند الفاتحين
أ. قال أرنولد تونبي وهو من كبار المستشرقين البريطانيين ثمة حالة نابهة الذكر هذا التسامح المنشود، الذي فرضه النبي على أتباعه وهو في موضعه الجليل، فإن محمدًا قد أمر أتباعه بالتسامح الديني تجاه اليهود والمسيحيين الذين خضعوا سياسيًّا للحكم الإسلامي، فقدم محمد بذلك لقاعدة التسامح تفسيرًا قوامه أن أفرادها من الجماعتين الدينيتين غير المسلمين هم أهل كتاب كالمسلمين أنفسهم، وليس أدل على روح التسامح التي بعثت الحياة في الإسلام منذ بدايته، من أن المسلمين قد طبقوا مبدأ التسامح الديني على أتباع زرادشت الذين خضعوا للحكم الإسلامي، وإن لم يقل بذلك الرسول الكريم نفسه مختصر دراسة التاريخ
ب. قال الدوميلي المستشرق الفرنسي إن التسامح العظيم الذي تحلى به الخلفاء الأمويون وملوك الطوائف لم يمتد لواؤه على ما حكموه من شعوب، أو على المسلمين القادمين من إفريقية والمشرق فحسب، بل انبسط ظله على النصارى الذين أقبلوا مهطعين من أبعد الأقطار لتلقي العلوم في المدن المزدهرة التي لا تُحصى، في ذلك القطر الساحر الأندلس )الآخذ بمجامع الألباب العلم عند العرب(
جـ. قالت إيفيلين كوبلد «لما استرجع صلاح الدين بيت المقدس بعد معارك عديدة وطرد الصليبيين من البلاد أظهر في حروبه ومعاركه كل ألوان الرفق والرحمة والعفو عند المقدرة وأبى أن يعامل المغلوبين إلا بالحسنى والرفق، ورفض الانتقام من الذين أساءوا وأحرقوا ودمروا وزاد إحسانًا فسمح لجميع المسيحيين بمغادرة المدينة تحت رعاية رجاله ومحافظة قواده وقد حفظ له كثير من كتاب الغرب هذه الصفات ولم يتأخروا عن المجاهرة بها والإقرار بأنه كان أشرف الأعداء وأطهر الفاتحين البحث عن الله ص
شتان بين أخلاق وأخلاق
وهكذا بان لنا واتضح كيف تعامل المسلمون الفاتحون مع غيرهم من أتباع الملل الأخرى من غير المسلمين، وكيف أقر واعترف الغرب بذلك، فانظروا ماذا فعل غير المسلمين عندما تمكنوا من المسلمين
إن مما أجمع عليه المؤرخون أن الصليبيين ذبحوا في يوم واحد في الحرب الصليبية الأولى سبعين ألف مسلم تذبيح النعاج، حتى إن الدماء كانت تجري أنهارًا في المسجد الأقصى وشوارع الأقصى، فلم يرقبوا في مؤمن إلاً ولا ذمة، ولم يرحموا كبيرًا ولا صغيرًا، ولم يحترموا امرأة، ولا طفلاً، ولم يوقروا عالمًا، ولا شيخًا، على حين عامل السلطان صلاح الدين الصليبيين أحسن معاملة، وأكرمهم أسمى كرم حين حرر بيت المقدس من اعتدائهم الأثيم، فما أراق دمًا، ولا انتهك حرمة، ولا نقض عهدًا، بل ظلت الكنائس والمعابد أمانة في يديه، وفي يد من جاء من بعده يُحسنون إليها، ويحافظون عليها، إلى أن دخل جيوش الحلفاء بيت المقدس في الحرب العالمية الأولى، وقال القائد الإنجليزي «اللنبي» الآن انتهت الحروب الصليبية، وقد فعلوا ما فعلوا باسم الصليب، وتحت رايته، وصدق فيهم قول الله قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ آل عمران
وجاء في كتاب «العلاقات السياسية الدولية» «في الأندلس لقي المسلمون أشد العذاب، وأبشع الظلم من محاكم التفتيش التي كانت تأمر بتنصير المسلمين كرهًا، ثم بحرق الكثير منهم، ونصح «كردينال» طليطلة الذي كان رئيسًا لمحاكم التفتيش بقطع رءوس جميع من لم يتنصّر من العرب، رجالاً، ونساءً، وشيوخًا وولدانًا
وأراد «شارلمان» أن يستأصل شأفة الإسلام تأييدًا لهيبة الكنيسة، وأن يسحق دولة الأندلس المستقلة احتفاظًا بكبرياء الفتح والظفر، وعقد مسلمو غرناطة معاهدة التسليم والأمان من الملكين الكاثوليكيين «فرديناند» و«إيزابيلا» اللذين نكثا بالعهود والمواثيق، فكبلا ثلاثة ملايين من المسلمين بالأغلال، وأعمل الكاثوليك في رقابهم السيف؛ تنكيلاً وانتقامًا
ونختم بما قاله أحمد سوسه أحد الرجال اليهود الذين أعلنوا إسلامهم «يُستحسن بأتباع موسى وعيسى أن يراجعوا التاريخ الإسلامي ليقفوا على ما يأمر به الإسلام بشأن الرفق بالأطفال والشيوخ والنساء وغير المقاتلين بصورة عامة ويُثبت لنا التاريخ أن المسلمين صاروا وفق شريعتهم القاضية بوجوب عدم المساس بالأطفال والشيوخ والنساء بكل أمانة وحرص حتى في الظروف التي كان العدو المقابل يقتل الأطفال والنساء وغير المحاربين» في طريقي إلى الإسلام ص
وكل ذلك يأتي بمثابة الرد القاطع على كل من يشوش على الإسلام والمسلمين أو يصفهم بما ليس فيهم فهم؛ بفضل الله لا يلتفتون ولا يعبأون بمثل هذه الأراجيف بل هم على طريق الحق ماضون وبأصول دينهم مستمسكون حتى قال عنهم المنصفون ما عرف التاريخ أرحم ولا أعدل من المسلمين
والله من وراء القصد
المصدر: حملة السكينة