د. فهد أحمد عرب
في حالات الطوارئ مثبت علميا أن استباق الحدث بالإجراءات الاحترازية يخفف من التأثير بنسب قد تصل إلى أكثر من 90 في المائة، ولكن إذا ما وقع الحدث وكان الاستعداد ضعيفا فإن الضغط على الموارد البشرية والتجهيزات المتاحة والتقنية المتوافرة في الاتصالات أو تشغيل الأجهزة سيصل إلى نسبة تكاد تكون 100 في المائة. الطارئ يتحول إلى كارثة إذا لم نكن مستعدين بناءً وتجهيزا ولم تتوافر أدوات المساعدة أو كانت ضعيفة ولم يوجد من يستطيع المساهمة في الإنقاذ إلا المتدرب والمتخصص. هذا يجعلنا ندور في دوامات التخطيط والتنفيذ والخطأ البشري .... إلخ ولا نفكر من زوايا مختلفة، ساعين لتخفيف الضغط على العنصر البشري.
بالطبع فواجع جدة تسببت لنا في التفكير في خدماتنا ونوعيتها، حيث تبين أنها دون المستوى لأن مستوى تأثير الفواجع كان عشرة أضعاف الحد الذي وضع كأقصى ضرر يمكن أن تتعرض له المدينة. هذا ما جعل الجميع يهب بمناقشة الحلول ووضع الأصابع على الأجراح والمساهمة في تنويع زوايا التفكير؛ بحثا عن تطوير ذاتي جدي للمشكلة ليس على مستوى جدة بل المملكة عموما. الجهات الخدمية حكومية كانت أم أهلية أم تطوعية ضربت خلال العامين الماضيين باختبارين متتاليين دل على أنه ينقصنا التخطيط السليم، والتنفيذ بتنظيم، وتحديد المسؤوليات باحتراف، وتجهيز آليات بكفاية، واقتناء أحدث التجهيزات، والتدريب الكافي للعديد من المواطنين في كيفية إتمام عملية إنقاذ أو إسعاف طبي بشكل صحيح. واقعيا لم يكن الرقم الآلي الموحد للخدمة مسعفا لأنه عجز عن إجابة المتصلين، ولم تكن هناك إمكانية للوصول للمصابين لأنه لم تكن هناك كفاية عددية لمواجهة الحدث في وقت سريع، ولم يكن هناك تجهيز للعامة فانتشر الهلع ووقعت الإصابات أو الحوادث.
أعتقد أننا يجب أن نلجأ للتقنية في محاولة لتعويض النقص العددي وإدارة الوقت بشكل أفضل والقيام بالمهام باحتراف. هذا يعني في البداية أن نستعد بأنظمة إنذار ذكية وتقنية اتصالات متقدمة جدا وأجهزة وأدوات ذات تقنية عالية تساهم في تخفيف المصاب. إن ربط الجامعات بالأرصاد الجوية والاهتمام بنظام الإنذار المبكر مع بناء البوابات وبعض المباني بأسلوب ذكي سيوفر بلا شك ويحمي الكثير من المنسوبين من فاجعة أكبر. كما أن ربط الجسور بالحساسات الحرارية المربوطة بنظام ''ساهر'' المطور مع وضع بعض الشاشات على الطرق لعرض أفضل الطرق مسلكا وتوجيه السائقين لها سيؤمّن ويحمي الكثير من الأرواح من أن تلقى حتفها في الظروف العادية. أيضا فإن توافر أجهزة حساسة لكمية المواد الملوثة للبيئة أو نسبة الغبار في أنحاء من كل مدينة يحفز البعد عن المناطق الملوثة بمجرد رسالة جوال أو إشارة معينة على أبراج محددة أو شاشات الإعلانات أو ما أشبه. كما أنه لو كان في الأسواق العامة وحدات استشعار لقياس درجة الحرارة وكاميرات بغرف عمليات مصغرة لكشف ألسنة النار مثلا، لكان ذلك موفرا للخسائر المادية وبالطبع قبلها للخسائر البشرية؛ لأن الجميع استجاب للأسلوب الذكي في الأشعار أو الإنذار.
في واحدة من أحدث ما توصل له العلم أخيرا، قام فريق علمي بجمع بيانات على مدى عامين، وذلك لنسبة هطول الأمطار في شمال المحيط الأطلنطي وبالذات في بحر Sargasso Sea. عرف هذا البحر بأنه البحر الوحيد الذي ليس له شواطئ، حيث خواصه المائية ولونه في وسط الجزء الشمالي من المحيط. لقد استطاع الفريق تحديد الكم الساقط على المنطقة من مياه وكم البخر. ومن ثم توقعوا الممكن هطوله وكيف يمكن الاستعداد له لو كان في مكان آخر. هذا البحث نشر في بداية هذا العام 2011، وقد استخلص منه أن استخدام التقنية في قياس كم الأمطار ساقهم لتنبؤات أقرب للطبيعية. أما من ناحية التلوث البيئي فحساب النسب وتحديد نوع الشوائب بعد تحليل الملوثات في هذه الأمطار فمكنتهم من الخروج بالعديد من التوصيات التي أخذت طريقها للتنفيذ على مستوى كل منطقة ماثلت هذا الموقع. مع أن الأبحاث دائما ما تحتاج إلى التأكيد بتغيير العناصر والتلاعب بالقياسات والمقاييس لتمثيل الواقع إلا أن سنتين كانتا مثمرتين بنتائج تجعلنا نتساءل هل سنقوم بعمل ذلك ولو على المستوى البيئي مبدئيا؟. هل سيقودنا ذلك إلى فتح مجالات علمية للدراسة تحفز جامعاتنا الممثلة في كلياتنا العلمية المختلفة بأقسامها المتعددة (الهندسة الميكانيكية والكهربائية والطبية الحيوية، والبيئة مثلا) أن تجعل مشاريع التخرج عبارة عن حلول عملية لمشاكلنا التطويرية بالتعاون مع الخبرات الدولية؟. وهل سنبدأ فعلا في الاعتماد على نظام الـ GPS فيما يعود على الفرد بخدمته بشكل أفضل في الخدمات العامة؟
أما من ناحية الكوادر فلا بد أن نهتم بنوعية الموظف في إدارات أو وكالات التخطيط والتطوير في الأجهزة الحكومية المختلفة. فالحاليون فئتان بينهما فجوة فكرية وأخرى علمية. وآخرون لا يريدون سوى أن يكونوا موظفي صادر ووارد لا يهمهم سوى توقيع كشف الحضور والانصراف؛ لذلك لو كنا جديين في ميكنة ما كان يدار ويشغل يدويا وتحويل المميكن إلى آلي أو رقمي فسيكون كل عام يمر علينا بمثابة قفزة نوعية في الخدمات وتطويرها على مستوى المملكة - بإذن الله - وسيكون للاستعداد المسبق تقنيا وبشريا وماليا أكبر الأثر الإيجابي في حياة الإنسان في مملكة الإنسانية. والله المعين.