إعداد: عفاف بنت يحيى آل حريد
الإسلام دين جماعة، لا دين تفرّق واختلاف، فليس فيه تفرّق وأحزاب، وجماعات وجمعيات متفرقة ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ (سورة آل عمران ، 105)، فالمطلوب من المسلمين أن يكونوا أمة واحدة، على منهج واحد، وعلى دين واحد، وعلى ملة واحدة، كالبنيان المرصوص، يشد بعضه بعضاً، وكالجسد إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، ولا يكون ذلك إلا بعقيدة التّوحيد، أما التفرّق والاختلاف والتناحر والتهاجر والتباغض والتنابُذ بين الجماعات وبين الفرق، فهذا ليس من دين الإسلام، وهذا يكون مع فساد العقيدة: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ (سورة الأنعام، 159)، نعم قد يوجد الاختلاف في الاجتهاد، ولكن هذا الاختلاف يحسم بالرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فالمخطئ يرجع، والمصيب يثبت، قال تعالى: ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾ (سورة النساء، 59).
طريق الخلاص من الفرقة والاختلاف:
ومن المعلوم أن الفرقة الناجية والطائفة المنصورة هي الجماعة، والجماعة هم الذين يسيرون وفق منهج النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، لا يعدلون عن ذلك ولا يحيدون عنه يمينًا أو شمالًا.
قال الشاطبي -رحمه الله- في الاعتصام: "إن الجماعة ما كان عليه النبي وأصحابه والتابعون لهم بإحسان". فطريق الخلاص هو اتباع منهج أهل السنة والجماعة قولًا وعملًا واعتقادًا، وعدم مخالفتهم أو الشذوذ عنهم.
قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ (سورة النساء، 115).
لزوم جماعة المسلمين من أجلّ المقاصد الشرعية:
ومعلوم أن وحدة الأمة الإسلامية، ولزوم جماعة المسلمين، وعدم التفرق من أجلِّ المقاصد الإسلامية، وأسمى الغايات الدينية، قال الله تعالى: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ (سورة آل عمران، 103).
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: ) إن الله يرضى لكم ثلاثًا، ويكره لكم ثلاثًا: فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تُشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا، ويكره لكم قيلَ وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال (.
قال النووي - رحمه الله-: "وأما قوله -صلى الله عليه وسلم-: ولا تفرقوا، فهو أمر بلزوم جماعة المسلمين، وتأليف بعضهم ببعض، وهذه إحدى قواعد الإسلام".
وفي حديث زيد بن ثابت - رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ) ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، والنصح لأئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم (.
التفرق هو نقض لأساسٍ من أسس الشريعة، فإن الشريعة جاءت بوحدة المسلمين، ولهذا كان الخطاب في القرآن الكريم جماعيًّا، وما لا يحصى من الآيات: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ (سورة البقرة، 104)، ﴿ وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ (سورة العصر)، ومعظم أحكام الشريعة لا يمكن تنفيذها إلا من خلال وحدة واجتماع.
كيف تستطيع أن تطبق الأخلاق الإسلامية، وتعرف إن كنت صبورًا، أو كنت حليمًا، أو كنت كريمًا، أو كنت شجاعًا، إلا من خلال الاختلاط بالناس؟ كيف تستطيع أن تؤدي شعائرك، فتصلي وتصوم، أو تحج أو تعتمر إلا من خلال الاختلاط بالناس؟
إذًا: التفرق اتباع لسنة أهل الكتاب، ومخالفة لما تقتضيه العقول السليمة والبصائر المستقيمة، وهو نقض لأساس من أسس الشريعة.
قال ابن كثير -رحمه اللّه-: قوله تعالى ﴿ وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ (سورة آل عمران، 103) أمرهم بالجماعة، ونهاهم عن التّفرقة.
وقال أيضا: «خيف عليهم الافتراق والاختلاف، فقد وقع ذلك في هذه الأمّة فافترقوا على ثلاث وسبعين فرقة: منها فرقة ناجية إلى الجنّة، ومسلّمة من عذاب النّار، وهم الّذين على ما كان عليه النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- وأصحابه».
قال الغزاليّ -رحمه اللّه-: «إنّ الألفة ثمرة حسن الخلق، والتّفرّق ثمرة سوء الخلق. فحسن الخلق يوجب التّحابّ والتّآلف والتّوافق، وسوء الخلق يثمر التّباغض والتّحاسد والتّدابر».
من مضار (التفرق):
(1) نهى اللّه عن التّفرّق في كلّ صوره؛ لأنّه يشلّ حركة المجتمع المسلم ويوهن المسلمين ويضعفهم.
(2) الحذر من الكافرين؛ لأنّهم يفرّقون بين اللّه ورسله، ويؤمنون ببعض الرّسل ويكفرون ببعض.
(3) سبيل اللّه واحدة، وسبل الشّيطان متفرّقة، فمن تبعها فقد ضلّ وغوى.
(4) اتّباع الأهواء يفرّق، والحبّ والإخاء يجمّع، فلينظر كلّ واحد ماذا يعمل.
(5) الاتّحاد قوّة، والتّفرّق وهن وضعف.
(6) وهو دليل خبث النّفس وسوء الطّويّة.
(7) طريق موصل إلى النّار وسخط الجبّار.
المراجع:
• إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد لصالح الفوزان.
• الأمة الوسط والمنهاج النبوي في الدعوة إلى الله لعبد الله التركي.
• أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة، كتبه نخبة من العلماء تبع وزارة الشؤون الإسلامية.
• نضرة النعيم بإشراف صالح بن حميد وعبد الرحمن بن ملوح