إعداد: عفاف بنت يحيى آل حريد
البلادة: (عدم الفقه).
البلادة: ضدّ الذّكاء. وقد بلد (بالضّمّ) فهو بليد.
البلادة اصطلاحا:
هي ضعف الفكر في الأشياء العمليّة الّتي تتعلّق بحسن التّدبير وجودة المعاش ومخالطة النّاس والمعاملة معهم.
وقيل: هي فتور الطّبع من الابتهاج إلى المحاسن العقليّة.
الآيات الواردة في «البلادة» معنى:
أهل البلادة أهل جهنم:
قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ (سورة الأعراف، الآية 179).
البليد هو من لا يعرف الحق:
قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ (سورة النساء، الآيات (77-79).
البلادة تضعف العزيمة:
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ ﴾ (سورة الأنفال، الآية 65).
قال تعالى: ﴿ فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ ﴾ (سورة التوبة، الآيات 81-87).
البلادة بمعنى عدم الفهم:
قال تعالى: ﴿ ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا ﴾ (سورة الكهف، الآيات 92-98).
الأحاديث الواردة في ذمّ البلادة (عدم الفقه) معنى:
عن عديّ بن حاتم -رضي اللّه عنه- قال: ) قلت يا رسول اللّه: ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود؟ أهما الخيطان؟ قال: إنّك لعريض القفا إن أبصرت الخيطين. ثمّ قال: لا، بل هو سواد اللّيل وبياض النّهار (.
عن ابن عمر -رضي اللّه عنهما- قال: ) كان رجل يخدع في البيع، فقال له النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-: إذا بايعت فقل لا خلابة، فكان يقوله (.
عن جرير -رضي اللّه عنه- قال: ) كنّا عند رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- في صدر النّهار، قال: فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النّمار أو العباء، متقلّدي السّيوف، عامّتهم من مضر، بل كلّهم من مضر، فتمعّر وجه رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثمّ خرج، فأمر بلالا فأذّن وأقام، فصلّى ثمّ خطب فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَة ﴾ (سورة النساء، الآية 1) إلى آخر الآية: ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾، والآية الّتي في الحشر: ﴿ اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ (سورة الحشر، 18)، تصدّق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع برّه، من صاع تمره (حتّى قال) ولو بشقّ تمرة. قال: فجاء رجل من الأنصار بصرّة كادت كفّه تعجز عنها، بل قد عجزت، قال: ثمّ تتابع النّاس حتّى رأيت كومين من طعام وثياب، حتّى رأيت وجه رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- يتهلّل كأنّه مذهبة، فقال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: من سنّ في الإسلام سنّة حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنّ في الإسلام سنّة سيّئة، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء (.
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في ذمّ البلادة (عدم الفقه):
أثر عن الإمام عليّ -رضي اللّه عنه- أنّه قال: «تغاب عن كلّ ما لا يصحّ لك».
عن طاهر الزّهريّ؛ قال: «كان رجل يجلس إلى أبي يوسف فيطيل الصّمت، فقال له أبو يوسف: ألا تتكلّم؟ قال: بلى، متى يفطر الصّائم؟ قال: إذا غابت الشّمس، قال: فإن لم تغب إلى نصف اللّيل؟ فضحك أبو يوسف وقال: أصبت في صمتك، وأخطأت أنا في استدعائي لنطقك، ثمّ قال:
عجبت لإزراء العييّ بنفسه وسمت الّذي قد كان بالصّمت أعلما
وفي الصّمت ستر للعييّ وإنّما صحيفة لبّ المرء أن يتكلّما قال الخليل بن أحمد: «النّاس أربعة: رجل يدري ويدري أنّه يدري فذاك عالم فخذوا عنه، ورجل يدري وهو لا يدري أنّه يدري فذاك ناسٍ فذكّروه، ورجل لا يدري وهو يدري أنّه لا يدري فذاك طالب فعلّموه، ورجل لا يدري ولا يدري أنّه لا يدري فذاك أحمق فارفضوه».
أقبل رجل إلى محمّد بن سيرين فقال: ما تقول في رؤيا رأيتها؟ قال: وما رأيت؟ قال: كنت أرى أنّ لي غنمًا، فكنت أُعطى بها ثمانية دراهم، فأبيت من البيع، ففتحت عينيّ فلم أر شيئا. فقال له ابن سيرين: لعلّ القوم اطّلعوا على عيب في الغنم فكرهوها. قال: يمكن الّذي ذكرت.
من مضار البلادة (عدم الفقه):
(1) أنّها صفة ذميمة إذا استقرّت بالإنسان ورّثته الخمول في نفسه حتّى يرى نفسه غير مرغوب فيه بين أفراد المجتمع.
(2) بعض البلداء والأغبياء يتّخذهم النّاس أضحوكة ومحلّ استهزاء وسخرية.
(3) البلادة النّاشئة عن استرخاء وكسل تجعل البليد محتقرًا في مجتمعه.
(4) تضيّع على صاحبها كثيرًا من الفرص والمناسبات الّتي يمكن أن تسعده في دنياه وآخرته.
(5) قد يتمثّل البعض بالتّغابي لمأرب في نفسه يريد قضاءه، ولكن إذا اكتشفه مخالطوه احتقروه.
المراجع:
• نضرة النعيم بإشراف صالح بن حميد وعبد الرحمن بن ملوح.
• العقد الفريد لابن عبد ربه.
• أخبار الحمقى والمغفلين لابن الجوزي