أبو معاذ محمد الطايع
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فليس في الدنيا أصلح من غض البصر للقلوب؛ لأن الذي ينظر ثم لا يستطيع أن يقدر على شيء عذبته نفسه:
وأنت إذا أرسلت طرفك رائدًا
لقلبك يومًا أتعبتك المناظرُ
رأيت الذي لا كله أنت قادرٌ
عليه ولا عن بعضه أنت صابرُ
ترى أشكالاً كثيرة ، لا تقدر عليها كلها، ولا تصبر عنها كلها ولهذا يقول الشاعر:
وأنا الذي جلب المنية طرفه
فمن المطالب والقتيل القاتلُ
وكثير من الناس يخرج من بيته ليس في قلبه هم ولا غم، فإذا رأى امرأة متبرجة علقت بقلبه صورتها ورجع إلى البيت وهو مريض، وهو يزفر الزفرة تقض صدره، وتحرق قلبه، لكنه لو غض بصره لأرضى ربه، ولأراح قلبه.
وروى أحدهم قائلا: "كنت سائرًا في طريق من المسجد إلى منزلي، ومعي شابٌّ مؤمن - ولا أزكي على الله أحدًا - وفي الطريق قابلنا اثنتين من الفتيات وكانتا متبرجتين، عليهما عباءات قصيرة وكعوب عالية وثياب مشقوقة، فغضضت بصري، ولم أقل للشاب شيئًا، بل أخذت أرقبه، وإذا به يغض، وبعدما تجاوزناهما، نظرت إليه وقلت: ما رأيك: النظر أحسن أم الغض أحسن؟
قال: والله الغض أحسن.
قلت: لماذا؟
قال: لو أني نظرت لكنت الآن مريضًا، لكن صبرت قليلا، وانتهيت وليس في قلبي شيء".
قال - سبحانه وتعالى -: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ (سورة النور: الآية30).
هذا ... والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.