إعداد: عفاف بنت يحيى آل حريد
بسم الله الرحمن الرحيم
من المعلوم أن النية شرط لصحة العمل وأن العمل الخالي من النية غير معتبر شرعًا، فيجدر ذكر أقسام النية، إذ إن التقسيم والتفصيل لما يراد بيانه أمر لازم فإن كثيرًا من الأمور لا تتبين حقيقتها ولا يتضح معناها إلا ببيان أقسامها، وتفصيل مجملها.
المسألة الأولى: النية العامة
ومعناها أن ينوي العامل نية عامة لفعل عبادة من العبادات قولية، أو فعلية، أو مركبة من القول والفعل، ويتناول ذلك أعمال القلوب، وأعمال الجوارح، أو هما جميعًا، ومثال ذلك: الإيمان بالله ورسوله: إن من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، مؤمنًا، ومصدقًا بكل ما جاء عن الله ورسوله فآمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، فإنه يصير بذلك مسلمًا، وتكفيه النية المجملة للإيمان، ولا تلزمه النية لجزئيات ما يجب أن يؤمن به مما جاء عن الله ورسوله، وكذلك نية القيام بالعبادات، وذلك كالصلاة، والزكاة، والصيام، فتكفي في هذه العبادات النية المجملة عند قصدها، وعند ابتدائها، فلا تلزم النية تفصيلا لكل جزئيات ما يقوم به من العبادات، ولا جزئيات العبادة الواحدة، فإذا نوى صلاة الظهر، أجزأته النية المجملة لقصد الصلاة، ولا يلزم على سبيل الحتم واستحضار نية التكبير، والقراءة، والركوع، وغير ذلك من أفعال الصلاة، وكذلك الشأن في الزكاة والصوم والحج، ولو كلفنا بأكثر من ذلك لاعتبر ذلك مشقة وتكليفًا بما لا يطاق، والله جل وعلا يقول: ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ (سورة الحج آية: 78)، فالنية المجملة للدخول في الإسلام والقيام بالعبادة كافية وتترتب عليها آثارها.
المسألة الثانية: النية الخاصة
عُلم مما تقدم أن الأمور المجملة من عقيدة، وعبادة، تكفي فيها النية العامة، أما عند أداء نوع من أنواع العبادة فلا بد من النية المُخَصِّصة لتلك العبادة، لتمييزها عن غيرها، وتحديد درجتها في تلك العبادة التي يراد أداؤها، وذلك كالصلاة، فإنها تنقسم إلى فرض ونفل، والفرض منه ما هو واجب بأصل الشرع كالصلوات الخمس، ومنه ما هو واجب بسبب من قبل المكلف كالنذور، والنفل منه المقيد ومنه المطلق، والمقيد منه المؤكد كالسنن الراتبة والوتر، وغير مؤكد كالنوافل الزائدة على تلك المحدودة في وقت معين، والمطلق منه الفاضل ومنه المفضول، ولا يحدد هذه الأنواع ويميزها عن غيرها إلا النية، ولهذا قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ) إنما الأعمال بالنيات (، فالحديث عام متناول لجميع الأعمال فلا يصح إلا بنية، ولو صلى المصلي وأراد صلاة مطلقة ولم يحددها، أفرض هي؟ أم نفل؟ ظهر؟ أم عصر؟ لم تصح تلك العبادة لعدم التعيين.
المسألة الثالثة:
وتنقسم باعتبار آخر إلى فعلية وحكمية، فأما الفعلية فهي نية العبادة عند أولها، وذلك كنية الوضوء والصلاة والطواف، وغير ذلك من أنواع العبادة، فإنه لا بد من النية وابتداء العبادة بها، وهذه هي الفعلية ويبقى استمرار النية حتى آخر العبادة، فإن أمكن ذلك فهو أفضل وأكمل، وإن غربت عن الذهن، وغابت عن البال، حكم بها وهي النية الحكمية، يقول القرافي في هذا المعنى: (النية قسمان فعلية موجودة، وحكمية معدومة، فإذا نوى المكلف أول العبادة فهذه نية فعلية، ثم إذا ذهل عن النية حَكَمَ صاحب الشرع بأنه ناوٍ ومتقرب، فهذه هي النية الحكمية، أي حَكَمَ الشرعُ لصاحبها ببقاء حكمها لأنها موجودة، وكذلك الإخلاص والإيمان والكفر والنفاق والرياء، وجميع هذه الأنواع من أحوال القلوب إذا شرع فيها).
المسألة الرابعة: وتنقسم النية باعتبار متعلقها إلى قسمين:
فتارة يراد بها تمييز العمل، وتارة يراد بها تمييز المعمول له، وذلك أن لفظ النية في كلام العلماء على نوعين: فتارة يريدون بها تمييز عمل عن عمل، وعبادة عن عبادة، وتارة يريدون تمييز معبود عن معبود، ومعمول له عن معمول له، فالأول هو موضوع كلامهم في النية: هل هي شرط في طهارة الأحداث؟ وهل تشترط نية التعيين والتثبت في الصيام؟ ونحو ذلك.
والثاني: كالتمييز بين إخلاص العمل لله، وبين أهل الرياء والسمعة، كما سألوا النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الرجل يقاتل شجاعة وحمية ورياء، فأي ذلك في سبيل الله؟ فقال: ) من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله(.
المصدر:
· النية وأثرها في الأحكام الشرعية لصالح السدلان.
· الأشباه والنظائر لجلال الدين السيوطي.
· مجموع الفتاوى لابن تيمية.