اعفُ عمن ظلمك
إعداد: أبو معاذ محمد الطايع
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
أخي الحبيب: إن العفو عن الناس لا يكون إلا من كريم الخصال، فاعف عمن ظلمك، حتى تكون من: ﴿ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ﴾ (سورة آل عمران آية 134)، والذين استجابوا لأمر ربهم -عز وجل- حين قال: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ (سورة الأعراف آية 199).
وقد أمرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا الخلق أمرًا صريحًا، كما في قوله -صلى الله عليه وسلم- لعقبة بن عامر -رضي الله عنه-: ) يا عقبة بن عامر! صل من قطعك، وأعط من حرمك، واعف عمن ظلمك (.
خذ العفو عن جاهل قد بغى
عليك تفز بالمقام الأمين
وبالعرف فأمر وكن محسنا
وواصل، وأعرض عن الجاهلين
وقد بين الله -عز وجل- في التنزيل أثر هذا العفو، فقال -عز وجل-: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ (سورة فصلت آية 34).
فالمسلم ينبغي له أن يتسامى عن الأخلاق الدنيئة، وعلى رأسها الغل والحقد.
وقد ضرب أبو بكر -رضي الله عنه- نموذجا رائعا في العفو والصفح، فقد شقَّ عليه ما رُميتْ به ابنته عائشة -رضي الله عنها- من الإفك، وشق عليه أكثر أن يكون ممن خاض في الإفك مسطح بن أثاثة -رضي الله عنه- الذي كان أبو بكر -رضي الله عنه- ينفق عليه لقرابته منه وحاجته، فلما نزلت الآيات في سورة النور ببراءة السيدة عائشة -رضي الله عنها- قال أبو بكر -رضي الله عنه-: «والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا، ولا أنفعه بنفع أبدا بعد الذي قال لعائشة ما قال، وأدخل عليها ما أدخل»، فأنزل الله في ذلك: ﴿ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ (سورة النور آية 22). قال أبو بكر -رضي الله عنه-: «والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال: والله لا أنزعها منه أبدا».
وما أجمل تلك المشاعر التي حملها قول الشاعر:
إني شكوت لظالمي ظلمي
وغفرت ذاك له على علم
ورأيته أسدى إلي يدًا
لما أبان بجهله حلمي
رجعـت إساءته عليه وإحـــ
ساني فآب مضاعف الجرم
وغدوت ذا أجر ومحمدةٍ
وغدا بكسب الذم والإثم
ما زال يظلمني وأرحمه
حتى بكيت له من الظلم
هذا والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات، والصلاة والسلام على النبي المصطفى، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.