الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:
عند كلامنا عن مكانة الشهادتين ذكرنا أن أئمة السلف ذكروا شروطا لا بد أن تتوافر عند من نطق بالشهادتين وقد تكلمنا عن اليقين، أما الشرط الثاني فهو الصدق المانع من الكذب والنفاق، والصدق في لغة العرب سلامة القلب - الصلاح - قول الحقيقة - الجد - الفصل - الصلابة والشدة.
وقد ورد في معجم مقاييس اللغة: صدق: الصاد والدال والقاف أصل يدل على قوة في الشيء قولا وغيره.
الصدق خلاف الكذب سمي بذلك لقوته في نفسه، ولأن الكذب لا قوة له فهو باطل، وأصل هذا من قولهم: شيء صدق أي صلب ورمح صدق، ويقال: صدقوهم القتال، وفي خلاف ذلك كذبوهم.
وأطلنا الكلام في معني الصدق حتى يكون القارئ على بينة مما يقرأ ويفهم الموضوع جيدا.
أما من جهة الشرع فالصدق: هو حصول الشيء وتمامه وكمال قوته واجتماع أجزائه.
والصدق أيضا يكون في القلب وفي عمله، وفي قول اللسان وأعمال الجوارح،
والصدق في الأعمال استواء الأفعال على الأمر والمتابعة كاستواء الرأس على الجسد وأتوقع أن القارئ إذا تمكن من قراءة المعنى اللغوي للصدق والمعنى الشرعي بطريقة هادئة بتدبر وتفكر سيفهم ما يأتي بطريقة سهلة وبدون تكلف وعناء، وبعد كلامنا عن المعنى اللغوي والشرعي للصدق نتكلم في السطور الآتية عن منزلة الصدق بين العبادات التي فرضها الله على عباده.
منزلة الصدق:
الصدق عبادة قلبية عظيمة تنشأ عنها جميع العبادات القلبية فهو روح الأعمال وبه تميز أهل الإيمان من أهل النفاق وسكان الجنان من سكان النيران، وأساس بناء الدين.
أخي العزيز، اسمع إلى هذه الآية القرآنية حتى يرق قلبك قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ (سورة النساء آية: 69) ، الدرجة التي ذكرت للصديقين هي الدرجة التالية لدرجة النبوة التي هي أرفع درجات العالمين: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ (سورة التوبة آية: 119).
إن الله عز وجل أمر أهل الإيمان أن يكونوا مع الصادقين وهذه ميزة لا يمكن أن ينالها كل أحدٍ وهذا يدل أيضا على مكانة الصدق عند الله حتى أمر بالاقتداء بهم وقال تعالى: ﴿ لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ﴾ (سورة الأحزاب آية: 24) ، الإيمان أساسه الصدق والنفاق أساسه الكذب فلا يمكن أن يجتمع كذب وإيمان في قلب واحد بل أحدهما مجانب للآخر، وبناء عليه يجب على كل مسلم أن ينتبه لنفسه ولا يخدعها ولا يحدثها بالأماني.
قال شيخ الإسلام: الصدق والإخلاص هما في الحقيقة تحقيق الإيمان والإسلام فإن المظهرين للإسلام ينقسمون إلى مؤمن ومنافق والفارق بين المؤمن والمنافق هو الصدق، فإن أساس النفاق الذي ينبني عليه هو الكذب.