إن الحمد لله تعالى، نحمده، ونستعين به، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهدِ الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
فإن الحياء هو رأس الفضائل الخلقية، وعماد الشعب الإيمانية، وبه يتم الدين، وهو دليل الإيمان، ورائد الإنسان إلى الخير والهدى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ) الحياء لا يأتي إلا بخير (. وقال صلى الله عليه وسلم: «الحياء شعبة من الإيمان، ولا إيمان لمن لا حياء له». فإذا تخلق الإنسان بخلق الحياء، كان ذلك دليلا على حسن أدبه وسلوكه وصلاح ظاهره، ونقاء سريرته، وكمال إيمانه.
قال ابن القيم رحمه الله: «وخُلق الحياء من أفضل الأخلاق وأجلها وأعظمها قدرًا وأكثرها نفعًا، بل هو خاصة الإنسانية، فمن لا حياء فيه ليس معه من الإنسانية إلا اللحم والدم وصورتهما الظاهرة، كما أنه ليس معه من الخير شيء، ولولا هذا الخلق لم يُقرَ الضيف، ولم يُوفَّ بالوعد، ولم تؤدَّ الأمانة، ولم تقضَ لأحد حاجة».
تعريف الحياء والعفة:
والحياء كما عرفه العلماء هو خلق يبعث على ترك القبيح ويمنع من التقصير في حق من الحقوق، فالحياء خلق فاضل يدعوك إلى التحلي بالفضائل والبعد عن الرذائل، والحياء يدعوك أن تخجل في نفسك، وتستحي من ربك، ثم تستحي من الناس.
وقالت عائشة رضي الله عنها: «مكارم الأخلاق عشرة» ثم قالت: «ورأسهن الحياء».
قال ابن القيم رحمه الله: «والحياء من الحياة، ومنه الحيا للمطر، وعلى حسن حياة القلب يكون فيه قوّة خلق الحياء، وقلة الحياء من موت القلب والروح، فكلما كان القلب أحيا كان الحياء أتم».
الفرق بين الحياء والخجل:
الفرق بين الحياء والخجل عظيم ذلك لأن الحياء منقبة وفضيلة ومعناها: أن يترفع العبد عن المعاصي والآثام، وأما الخجل: فإنه منقصة لشعور الإنسان بقصوره أمام الآخرين، فلا يطالب بحقه لخجله، ولا يقول كلمة الحق لخجله، ولا يتحدث أمام الآخرين لشعوره أن من معه خير منه، وعلى الجرأة رَبَّى السلف الصالح أبناءهم.
فضائل الحياء:
الحياء من صفات الرب سبحانه وتعالى:
والحياء صفة من صفات الله عز وجل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ) إن ربكم حيي كريم يستحيي أن يبسط العبد يديه إليه فيردهما صفرا (.
قال ابن القيم: «وأما حياء الرب تبارك وتعالى من عبده فنوع آخر، لا تدركه ولا تكيفه العقول، فإنه حياء كرم وبرّ وجود، فإنه كريم يستحيي من عبده إذا رفع إليه يدَيه أن يردّهما صفرا، ويستحيي أن يعذّب شيبة شابت في الإسلام».
الحياء من سمات الملائكة والأنبياء:
فالحياء من خلق الملائكة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في عثمان بن عفان: ) ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة؟! (، وفيه دليل على اتصاف الملائكة به.
كما أنه هو خلق الأنبياء، كما قال صلى الله عليه وسلم: ) أربع من سنن المرسلين: الحياء والتعطر والسواك والنكاح (.
ومما وُصف به موسى عليه السلام أنه «كان رجلا حَيِيًّا ستيرًا، لا يُرى من جلده شيء استحياءً منه».
ولا يخفى علينا جميعا - أيها المسلمون - ما كان لنبينا من هذه الصفة الجليلة، فقد وصفه أبو سعيد الخدري بقوله: ) لرسول الله أشد حياء من العذراء في خدرها، فإذا رأى شيئا يكرهه عرفناه في وجهه (. والعذراءُ هي البنتُ التي لم يَسبقْ لها زواج، وخِدرُها موضعُها الذي تُصانُ فيه عن الأعْيُنِ.
الحياء شعبة من الإيمان:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ) الإيمان بضع وستون شعبة والحياء شعبة من الإيمان (.
وقد مر النبي صلى الله عليه وسلم على رجل وهو يعاتب أخاه في الحياء يقول: إنك لتستحي حتى كأنه يقول: قد أضرّ بك، فقال رسول الله: ) دعه فإن الحياء من الإيمان (. عن ابن عباس قال: «الحياء والإيمان في قرن، فإذا نزع الحياء تبعه الآخر».
الحياء يفضي للجنة:
وإنَّ من أعظم فضائله أنه يفضي بأصحابه إلى جنة عرضها السماوات والأرض، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ) الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النار (. والبذاء ضد الحياء، فهو جرأة في فُحشٍ، والجفاء ضد البر.
الحياء كله خير:
عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ) الحياء لا يأتي إلا بخير (. وعن أنس رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ) الحياء خير كله (.
وعن أَنَسٍ رضي الله عنه أن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: ) مَا كَانَ الْفُحْشُ فِي شَيْءٍ إِلا شَانَهُ وَمَا كَانَ الْحَيَاءُ فِي شَيْءٍ إِلا زَانَهُ (.
الحياء خلق الإسلام:
خلق الحياء هو الخلق الذي يميز أتباع الإسلام، كما قال صلى الله عليه وسلم: ) إن لكلّ دين خلقا، وخلق الإسلام الحياء (.
الحياء وازع عن المعاصي:
فالحياء يحمل على الاستقامة على الطاعة، وعلى ترك المعصية ونبذ طريقها، فإن الذي هبط بالناس إلى هذا المستوى المذموم هو ذهاب الحياء من الله عز وجل، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ) إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت (.
لمتابعة المزيد حمل الملف المرفق...