الرفق واللين

إعداد: عفاف بنت يحيى آل حريد
إن التوازن في شخصية المسلم ليجمع الشدة والرحمة، وإن من الحكمة مراعاة كل ظرف بما يناسبه، والتعامل مع كل حالة بما تقتضيه؛ من الأخذ بقوة أو الرفق واللين، غير أنه يبقى أن الأصل في التعامل الاجتماعي اللين والرقة، ما لم يقم ما يقتضي خلاف ذلك.
أما حين تنضب ينابيع العاطفة، فلا بد من تطهير القلب من عوامل القسوة؛ لتنعكس صور اللين على المعاملة والسلوك.
الرفق لغةً:
أصل المادة يدل على موافقةٍ ومقاربةٍ بلا عنف، يقول ابن فارس: الراء والفاء والقاف أصل واحد يدل على مُوافقةٍ ومقاربةٍ بلا عنف، فالرفق خلاف العنف.
وفي الحديث: ) إن الله - جل ثناؤه - يحب الرفق في الأمر كله (، هذا هو الأصل، ثم يشتق منه كل شيء يدعو إلى راحة ومُوافقةٍ، والرفق والمرفق: ما استعين به، وقد ترفق به وارتفق، وفي التنزيل: ﴿ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا ﴾ (سورة الكهف آية: 16).
الرفق اصطلاحًا:
هو لين الجانب بالقول والفعل والأخذ بالأسهل، وهو ضد العنف.
حقيقة الرفق:
قال الغزالي في الإحياء: اعلم أن الرفق محمود ويضاده العنف والحدة، والعنف نتيجة الغضب والفظاظة، والرفق واللين نتيجة حسن الخلق والسلامة، وكما قيل:
ووضع الندى في موضع السيف بالعلا
مضر كوضع السيف في موضع الندى

فالمحمود وسط بين العنف واللين كما في سائر الأخلاق، ولكن لما كانت الطباع إلى العنف والحدة أميل كانت الحاجة إلى ترغيبهم في جانب الرفق أكثر، فلذلك كثُر ثناء الشرع على جانب الرفق دون العنف.
وقال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي: ومن أسمائه تعالى الرفق في أفعاله وشرعه، ومن تأمل ما احتوى عليه شرعه من الرفق وشرع الأحكام شيئًا بعد شيء وجريانها على وجه السداد واليسر ومناسبة العباد وما في خلقه من الحكمة إذ خلق الخلق أطوارًا، ونقلهم من حالة إلى أخرى بحكمٍ وأسرار لا تُحيط بها العقول، وهو تعالى يُحب من عباده أهل الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يُعطي على العنف، والرفق من العبد لا ينافي الحزم، فيكون رفيقًا في أموره متأنيًا، ومع ذلك لا يفوت الفرص إذا سنحت، ولا يهملها إذا عرضت.
الآيات الواردة في الرفق:
قال تعالى: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ (سورة آل عمران آية: 159).
الأحاديث الواردة في الرفق:
عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ) إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه (.
وأيضًا قال: عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ) من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من الخير، ومن حرم حظه من الرفق حُرم حظه من الخير (.
وأيضًا قال: عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ) ألا أخبركم بمن يَحرمُ على النار، وبمن تحرمُ عليه النار، على كل قريب هين سهل (.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ) إذا صلى أحدكم للناس فليخفف فإن منهم الضعيف والسقيم والكبير وإذا صلى أحدكم لنفسه فليُطول ما شاء (.
عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ) من فقه الرجل رفقه في معيشته (.
من الآثار وأقوال العلماء الواردة في الرفق:
وعن قيس بن أبي حازم قال: كان يُقال: «من يُعط الرفق في الدنيا نفعه في الآخرة».
قال وهب بن منبه: «الرفق ثني الحلم».
وقال بعضهم: ما أحسن الإيمان يزينه العلم، وما أحسن العلم يزينه العمل، وما أحسن العمل يزينه الرفق، وما أُضيف شيء إلى شيء مثل حلم إلى علم.
من فوائد الرفق:
1. طريق موصل إلى الجنة.
2. دليل كمال الإيمان وحسن الإسلام.
3. يثمر محبة الله ومحبة الناس.
4. ينمي روح المحبة والتعاون بين الناس.
5. دليل على صلاح العبد وحُسن خلقه.
6. عنوان سعادة العبد في الدارين.
7. الرفق يزين الأشياء.
8. حظ الإنسان من الخير هو بمقدار حظه من الرفق.
9. الرفق ينشئ مجتمعًا سالما من الغل والعنف.
10. الرفق دليل على فقه الرجل وأناته وحكمته.
المصدر:
· نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول - صلى الله عليه وسلم - لمجموعة من المختصين بإشراف صالح بن حميد وعبد الرحمن بن ملوح.
· إحياء علوم الدين للغزالي.
· هذه أخلاقنا حين نكون مؤمنين حقًّا لمحمود الخازندار.