إن الحمد لله تعالى، نحمده، ونستعين به، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهدِ الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
كثرة الفتن في هذا الزمان:
لقد عَجَّ الزمن بالفتن، وكثرت دواعي الانحراف؛ ولزم المسلم الاستعفاف عن مواقعة الحرام، والاستعلاء عن مقارفة الفواحش، والاستعصام عن الرغبات الجَامِحَةِ والإرادات المهلكة، ومجاهدة النفس وصونها عن الأقذار، وكَبْتها عمَّا لا يَحِلّ.
ومتى استسلم المرء لنوازع الشهوة والغريزة واللذة المحرمة فقد تردَّى في مستنقع البؤس والخيبة، وخَرَّ في دركات الضياع والقلق والتوتر والحيرة، وهوى في حَضِيض الانحلال والاضطراب والشقاء، ﴿ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا ﴾ [النساء: ٣٨].
تعريف العِفّة:
العِفّة هي: كفُّ النفس عمّا لا يحِلّ ولا يجمُل وضبطُها عن الشهواتِ المحرَّمة وقصرُها على الحلال مع القناعةِ والرِّضا.
وبهذا التعريف يتبين لنا أنّ العفة خلُق زَكِيّ، يَنبُت في روضِ الإيمان، ويُسقى بماءِ الحياء والتقوى. لما فيه من سُمُوّ النفس على الشّهواتِ الدنيئة وترفُّع الهِمّة عما لا يليق، بل يفيض هذا الخلُق بكلِّ الخصال النبيلةِ، فصاحبُه ليس بالهلوعِ ولا الجَزوع ولا المنوع، كما في قوله سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ ﴾ [المعارج: ١٩-٣٥].
من مظاهر مخالفة العفاف:
إن الواقع يثبت أن هذا المجتمع ابتعد ابتعادًا كبيرًا عن شرع الله، وأن العفة أصبحت عند طائفة من الناس من الأمور القديمة البالية، فالفتاة كالشاب لها مطلق الحرية في مصاحبة من تشاء من الذكور، وفي الذهاب للمراقص والسهرات، وتكون النتيجة الفضيحة أو الاستغلال.
وإن من مظاهر التلوث في مجتمعاتنا والانهزام، مظهرين أقتصر عليهما:
المظهر الأول: مظهر العشق:
وهذا المظهر استشرى في مجتمعنا، فترى الشباب الذين ليسوا متمسكين بالدين (أو نقول وفق تعبيرنا: ليسوا بملتزمين) نرى حديثهم ما هو؟ عن الحب، أنت من تحب؟ والفتاة تقول أيضًا لصاحبتها: أنتِ من تحبين؟ من هو حبيبك؟ من تراسلين؟ فمن أين جاء هذا العشق؟
إنما جاء من وسائل الإعلام المدمّرة التي قلّ أن تكون هناك مسلسلة أو تمثيلية إلا وفيها دور للعشق والحب، كانت الأسرة في الماضي لا تعرف الغزل وأيضًا كان الأبوان لا يحبان أن ينظر أولادهما إلى غزل أو أن يتلفظا بكلمات حب أو عشق، وأصبحت ترى الأسرة بكاملها بينهما الأب والأم والفتاة والفتى يجلسون على شاشة التلفاز وأمامهم تمثيلية أو مسلسلة، وفي هذه التمثيلية أو المسلسلة رجل يقول لفتاة: أحبك، وفتاة تقول لرجل: أحبك، واسمع إلى تلك الكلمات التي تخرج منهما، والأب والأم ينظران والفتى والفتاة ينظران فأصبح المنكر معتادًا بسبب أن القلوب استشربت هذه المناظر، فأصبحت النظرة إلى الحرام غير منكرة.
وتمر على بعض الأسواق وتمر على بعض البضاعات فترى صورًا للنساء المتبرجات، وأصبح النظر إلى هذه الصور العارية في وسائل التجارة، من وسائل ترويج البضاعات، والله سبحانه يقول: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ﴾ [النور:٣٠]، ولن يكون هناك حفظ للفروج إلا بعد غض الأبصار.
وكذلك الغناء حدث عنه ولا حرج، كلمات الهوى، كم تسمع من كلمات تتداول بين الشباب في الأغاني من كلمات الهوى، الهوى ذمه الله في القرآن فقال: ﴿ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ﴾ [الفرقان: ٤٣]، هؤلاء يمدحون الهوى ويمدحون الليل الذي تكون فيه المعصية.
إذن الأغاني والمسلسلات والروايات الساقطة التي فيها العشق والغرام أدى كل هذا إلى أن تخترم العفة، وإلى أن تكون العفة في كثير من الأسر نادرة، فأصبح الإنسان الذي يريد أن يتزوج من أسرة ما يتخوف من أن تكون هذه الفتاة تراسل رجلاً ويراسلها، أو تحدث رجلاً في التليفون، أصبح الرجل يخاف بسبب ندرة العفة والاستعفاف.
المظهر الثاني: العادة السرية:
أو ما يسمى بالاستمناء، وهذه عادة رذيلة ذكرها العلماء كثيرًا وذكروا الأدلة على حرمتها، وما انتشرت هذه العادة السيئة إلا لأسباب منها:
الصور الإباحية:
الصور التي تعرض للشباب صباح مساء والتي فيها ما ذكرت.
الغناء والموسيقى:
وكذلك الغناء والموسيقى الذي يؤدي إلى استفزاز النفس، وإلى أن تخضع للشيطان، كما قال تعالى عن الشيطان: ﴿ وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ ﴾ [الإسراء: ٦٤]، أي بالغناء والمزامير