إن الحمد لله تعالى، نحمده، ونستعين به، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهدِ الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هاديَ له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
فقد جاء الإسلام بتهذيب السلوك، والدعوة إلى مكارم الأخلاق بعد تحقيق التوحيد، ومن ذلك حضه على كل ما يحفظ المروءة، وتحذيره من كل ما ينقصها، ولقد كان أسوتنا وقدوتنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على خلق عظيم، ومروءة لا يصل إليها مخلوق، كما شهد له ربه سبحانه وتعالى بذلك حيث قال: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ (سورة القلم: ٤).
تعريف العلماء للمروءة:
ولقد عرف كثير من أهل العلم المروءة بقولهم: هي كمال الإنسان من صدق اللسان، واحتمال عثرات الإخوان، وبذل الإحسان إلى أهل الزمان، وكف الأذى عن الجيران.
وقيل: هي التخلق بأخلاق أمثاله وأقرانه، في لبسه وحركاته وسكناته وسائر صفاته.
وقال آخرون: هي صيانة النفس عن الأدناس وما يشينها عن الناس.
وقيل: هي السمت الحسن وحفظ اللسان والاجتناب من السخف وأن لا يأتي الشخص ما يعتذر منه مما يبخسه من مرتبته عند العقلاء، والمروءة هي من الأدلة التي يُستدل بها على أهل الفضل ومقامهم ووجوب إقالة عثراتهم، ولا يتسع المقام لذكر كل ما قيل عن المروءة وأهلها وفضلها ولكن بالضد تتبين الأشياء .
وقال الماوردي: «الْمُرُوءَةُ مُرَاعَاةُ الْأَحْوَالِ الَّتِي تَكُونُ عَلَى أَفْضَلِهَا حَتَّى لَا يَظْهَرَ مِنْهَا قَبِيحٌ عَنْ قَصْدٍ وَلَا يَتَوَجَّهُ إِلَيْهَا ذَمٌّ بِاسْتِحْقَاقٍ».
قال بعضهم: حد المروءة رعي مساعي البر، ورفع دواعي الضر والطهارة من جميع الأدناس، والتخلص من عوارض الالتباس، حتى لا يتعلق بحاملها لوم، ولا يلحق به ذم.
لَقَدْ أَسْمَعُ الْقَوْلَ الذِّي كَادَ كُلَّمَا
تُذَكِّرُنِيهِ النَّفْسُ قَلْبِيْ يُصَدَّعُ
فَأُبْدِي لِمَنْ أَبْدَاهُ مِنِّي بَشَاشَةً
كَأَنِّي مَسْرُورٌ بِمَا مِنْه أَسْمَعُ
ولاشتمالها على جملة الفضائل يقتصر بعض الأدباء عليها في مقام إيجاز المدح، كما قال سعيد بن حميد يعاتب صديقا له:
ولئـن سبقت لتبكين بحـسرة
وليكثرن عليَّ منك عويلُ
ولئن سبقت ولا سبقت لتمضين
من لا يشاكله لديَّ خليلُ
وليذهبن بهاء كل مروءة
وليفقدن جمالها المأهول
مجالات المروءة:
ورد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: «من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، فهو ممن كملت مروءته، وظهرت عدالته، ووجبت أخوته» .
وقال ابن القيم رحمه الله: «وحقيقة المروءة تجنب الدنايا والرذائل من الأقوال والأخلاق والأعمال، فمروءة اللسان حلاوته وطيبه ولينه، واجتناء الثمار مِنْه بسهولة ويسر، ومروءة الخلق سعته وبسطه للحبيب والبغيض. ومروءة المال الإصابة ببذله في مواقعه المحمودة عقلا وعرفا وشرعا. ومروءة الجاه بذله للمحتاج إليه، ومروءة الإحسان تعجيله وتيسيره وتوفيره وعدم رؤيته حال وقوعه ونسيانه بعد وقوعه، فهذه مروءة البذل.
وأما مروءة الترك، فترك الخصام والمعاتبة والمماراة، والإغضاء عن عيب مَا يأخذه من حقك وترك الاستقصاء فِي طلبه والتغافل عن عثرات الناس، وإشعارهم أنك لا تعلم لأحد مِنْهُمْ عثرة، والتوقير للكبير، وحفظ حرمة النظير، ورعاية أدب الصغير قال: وهي عَلَى ثلاث درجات الدرجة الأولى مروءة الإنسان مع نفسه، وهي أن يحملها قسرًا عَلَى مَا يجمل ويزين وترك مَا يدنس ويشين، ليصير لها ملكة فِي جهره وعلانيته».
أهمية المروءة:
قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ ﴾ (سورة البقرة: ٢٨٢)، ومن تُرتضى شهادته فإنه لا يخالف الآداب الحسنة، ولا يخرج عن أعراف الناس، ولا يُزري على نفسه، ولا يتعاطى ما فيه خسة أو دناءة.
وقال صلى الله عليه وسلم: ) إنّما بُعِثْتُ لأُتَمّمَ صالِحَ الأَخْلاقِ (.