د. فايز بن عبدالله الشهري
لم يعد مُمكناً لإنسان العصر الحديث أن يتجنّب محاصرة وسائل ووسائط الإعلام له حتى أصبحت الممارسة الإعلاميّة نشاطا وهواية يوميّة لكثير من مستخدمي تقنيات الاتصال الحديثة. وعلى هذا الأساس فإن ما يُبثّ ويُنشر من مواد (أيّا كانت طبيعتها) بات متاحاً ليستهلك ويتناقل الناس مضمونه بشكل مستمر.
الإشكال اليوم أن هناك مخطِّطين رسميّين في عالمنا العربي لم يستوعبوا بعد حقيقة أننا نعيش حتميّة عصر الإعلام الجديد ومتغيراته التي جعلت (عامّة) (الناس) هم الفاعلين في العمليّة الاتصاليّة من خلال إنتاج وبث ما لديهم عبر برامج التراسل والشبكات الاجتماعيّة وشاشات الفضائيّات نصّا وصورة. ومع تحوّل الحال هنا فقد بات "الفرد" هو "السلطة" الإعلاميّة وليست "المؤسسة" أضف إلى ذلك أن الوسائل الجديدة سمحت بتخزين (توثيق) المواد الإعلاميّة على منصّات الإنترنت ومكّنت كل مستخدم من إعادة النشر والبث إلى مدارات أوسع يتحكّم فيها (هو) كمستقبل ومرسل في آن واحد.
إذاً (المضمون) اليوم اصبح بيد الناس إنتاجا وتوزيعا (والوسائل) باتت في الأكف تستقبل وتبث الأخبار على مدار الثانية ولم يعد ممكنا لحارس البوابة القديم أن يمارس عمله ليمرّر هذا الخبر أو تلك المعلومة، وهذا ما فتح الباب لنشاط إعلامي (شعبوي) سيكون له اثره (سلبا وإيجابا) والذي سيتجاوز كل ما عرفناه في تشكيل الوعي العام للأجيال الجديدة.
وتأسيساً على هذه المقدّمة هل يمكن اتهام هذه الوسائط ونحن في معمعتها بتلوين فضاء حياتنا بهذه السحب الداكنة من الكآبة والقلق أم أنّنا نحن من نسعى لمصادر القلق والتوتر بأنفسنا؟!
ولو تأملنا ما يسمى بالمواقع الإخباريّة (الفرديّة) ومواقع الحوار وشبكات التحاور الاجتماعي لوجدنا أن الأخبار والمعلومات السلبيّة تطغى على كل شيء. وعلى سبيل المثال فقد أحصيت عدد أخبار الجريمة والشذوذ الأخلاقي في أشهر موقع إخباري (شعبوي) لمدة ثلاثة أيام فوجدتها تتجاوز ثلاثين خبرا جديدا مع أرشيف غني بأخبار الجريمة وفساد القيم وانحلال العلاقات. وتجد على الجانب الآخر رواجا مفزعا لقصص وصور وأخبار ومعلومات الأحداث السلبيّة والفضائح والعورات ما يجعل المرء ، بشعور، ولا شعور، يعيش يومه عبوسا قلقا تتجدد كآبته كلما قلّب شاشته الصغيرة والكبيرة أمام ناظريه.
كلّنا يشهد كيف حرّك الإعلام الجديد الشباب إلى الساحات والميادين غاضبين حانقين بعد أن امتلأت نفوسهم بالحزن والكآبة جراء تعزيز المواد الإعلامية التي يتبادلونها من مؤشرات الإحباط والخوف من المستقبل الغامض.
ونرى اليوم كيف لا يملك هذا الإعلام أيّة سلطة لإعادة هؤلاء الشباب إلى بيوتهم وكلياتهم وهدوء حياتهم. والعجيب كيف حوّل بعض شباب "الثورات" العربية هذا الإعلام الجديد إلى أدوات انتقام رهيبة ممن اعترض قولا أو عملا أو حتى توجيها وتصويبا. تكشف ذلك عشرات من صفحات "الفيس بوك" وحسابات "التويتر" التي صُمِّمت للتصفية المعنوية للخصوم وحتى الحلفاء مع أول خلاف. تصفّحوا الشبكات الاجتماعيّة واختاروا اسم أي رمز عربي في الثورات التي لم تخمد وستجدون الصفحات السوداء قبل غيرها وهي تفصل في كل تفاصيل الضحية بحق وبباطل.
*مسارات
قال ومضى: لا تقلق من كيفيّة إبحار السفينة طالما أحسنت اختيار الربان..