د. فايز بن عبدالله الشهري
المؤكد أن لكلّ (فرد) أسبابه ولكلّ (طائفة) فهمها لدورها ومسيرتها في الحياة فالمؤمنون - على سبيل المثال - يريدون من حياتهم أن تكون جسراً لحياة أخرى عملوا ويعملون لها، ويأملون أن يستحقّوا من خالقهم المكافأة الموعودة نظير تحمّلهم شقاء الدنيا ليعيشوا نعيم الآخرة. ولكن لغز الحياة ومشهد الصراع البشري على كل شيء لم يقدّما الصورة المثلى لغاية إنسان اليوم من حياته ،ولهذا وضَعَت تجارب الشعوب والحكماء آلاف القصائد والأمثال والحكم ضمن محاولات توصيف الهدف من الحياة. ولكن مع كل هذا فما من وصفة محكمة، ولا تعريف جامع أراح السائلين من عناء البحث عن جواب سؤال ماذا يريدون من حياتهم.
وفي زمننا ومع تعقّد متطلبات العصر وتفشّي شهوة الاستمتاع بمباهج الحياة ظهرت كتب وروايات ومعها عشرات الأفلام التي حاولت أن تحلّ لغز هدف الإنسان في حياته، وأسرار عدم اكتفائه بالحد المعقول من العيش الهني برضا وقناعة.
ومما نستخلص من عروض مسرح الحياة، ومما سمعنا من عبر حفظتها الصدور وروتها الشفاه ثمار قصص لم يعتبر منها أبطالها حتى وجدوا أنفسهم آخر "المشوار" وحيدين مستسلمين للوحشة والذهول.
هل شاهدت مثلا فيلما عن رجل أعمال ناهز الثمانين من عمره أفنى معظمه يجمع المال على المال، ويفتتح الفروع ويؤسس الشركات، ثم يعود بعد كل هذا الركض أسير كرسي ورفيق علبة أدوية بعد أن فقدت الحياة معناها في ناظريه؟ هو في زمن مضى ملك كل شيء إلا الوقت الذي هو ملكه اليوم بكامله بعد أن كُفّت يده عن التصرف في ماله وحلاله وبات محروماً حتى من نيّة الإحسان.
وهذه رواية قديمة جديدة تحكي قصة سيدة مضى جمال عمرها بلا معنى ولا وعي بدورها، وتحت إغواء متعة الحياة قرّرت أن تترك منزلها وأسرتها هائمة في شعاب الظلمة مبعثرة بقية حيائها ورحيق روحها في مواضع لم تمنحها سوى المزيد من التردّي حتى انتهت بائسة يائسة على قارعة الضياع لا تدري كيف تجبر كسر شبح أنثى ورُبع امرأة ورماد إنسانة.
وهذا "ستيني" يراجع كشف السنين وما جرى له بعد أن تراجعت أسهم شبابه حين أسلم روحه للهوى باحثاً عن سعادة في شقاء متعة، يتذكّر كيف استجمع قوى المراهقة المتأخرة فلم تسعفه لياقته إلا في خوض طين بساتين الثمار الممنوعة التي لا يظهر جناها إلا مشبوها في جنح الظلام.
وهذه قصة "كبير" "مهم" كان في خلوة روحانية سانحة فتراءى أمامه شريط حياته الوظيفية على مدى ثلث قرن ، رأى تاريخه وكيف صال في كل محفل ، وجال في كل إدارة، حاسبا كل خطوة ، حريصا أن يجاري الكبار، ويداهن القادرين حتى "هندس" مكانه أعلى درجات سُلّم الجاه والسلطة ولمّا ظن انّه حقق هدف حياته هبّت عليه رياح أسئلة الضمير فلم يجد جوابا لأسئلة تأخر طرحها إلا المزيد من الأسئلة.
**مسارات:
قال ومضى: عجبي لمن ظنّ الملذات تسعد الذات .. وممن يدفع راحة الروح ... ثمن الطموح.