د. عبد الله الحريري
نعرف أهمية الأمان النفسي والاستقرار الوجداني، ونعلم أيضا أنه يوجد بيننا من تنتابهم مشاعر من عدم بالأمان، وهذه المشاعر تقود لحالة من التسابق المحموم على كل شيء دون استثناء، على الرغم من عدم الحاجة، ويمكنك ملاحظة هؤلاء في كثير من المواقف. على سبيل المثال عندما أعلن فتح التقديم على صندوق التنمية العقاري دون شرط وجود أرض، جميعنا سمعنا أن هناك عمن قام بتسجيل معلوماته عبر الانترنت وليس هذا وحسب إنما أيضا أرسل رسالة SMS، رغم عدم انطباق شروط الصندوق عليه مثل امتلاكه لمنزل أو حصوله قبل سنوات عدة على القرض.
وحتى لا يعتبرني البعض أطالب بمجتمع ملائكي أذكركم بتلك المشاهد التي تناقلها العالم من اليابان عندما وقع الزلزال المدمر الذي تعرضت له، وكيف انتشرت قيم إنسانية بالغة بين الناس، حيث شاهد العالم صورا من الآثار وصورا من القناعة وصورا من التعاون قل مثيلها. لدرجة أن مركز تسوق عندما تعرض لهزة من توابع الزلازل وعمت الفوضى قام كل واحد ممن يتسوق بإعادة البضاعة وخرج من المركز، كان هذا أمام كاميرات التصوير، وليس فرد أو اثنين، بل جموع كثيرة من الناس.
مع الأسف الصورة لدينا مغايرة تماما، حيث تشاهد رجلا معروفا عنه الثراء والغنى ولديه أعماله الخاصة التي تدر عليه الملايين - زاده الله من الخير والنعيم - يسابق الأقل حظا على لقمة العيش بطريقة أو أخرى مثل حرصه الشديد أن يدون اسمه واسم أبنائه للحصول على خدمات تقدمها الدولة مساعدة للمواطنين المحتاجين، ووزارة الشؤون الاجتماعية تكتشف بين وقت وآخر أسماء غير مستحقة للمساعدة، بل تستغرب سعي وركض البعض هنا وهناك للحصول على منحة أرض، ومعروف أنه يملك أراضي ومنازل، بل كل واحد من أبنائه وبناته يملك أرضا أو منزلا أو كليهما... والشواهد كثيرة.
لدى البعض (الحمد لله ليسوا كثر) جشع واضح على ما في يد الآخرين، وتسابق محموم للحصول على ما لا يحتاج إليه، والبعض كأنه لا يعمل ولا ينتج إلا ليحصل على ما حصل عليه فلان...
هذه السلوكيات المؤلمة منتشرة أيضا بين أطفالنا في مدارسهم الابتدائية، حيث تشاهد المظاهر الكاذبة والتكبر والغطرسة، أطفالا في مقتبل العمر يحملون آخر الصيحات من أجهزة الجوال والآيباد والبلاك بيري والآيفون، وهم لم يحفظوا جدول الضرب، ولم يصلوا لدرس القسمة.
ويبقى السؤال الكبير كيف نزرع قيم الحب والصفاء والقناعة والتعاون ين الناس؟ ومن أين نبدأ؟ لا شك أن الأسرة هي المنبع الأول، ثم المدرسة، ولكن تبقى مسؤولية غير قليلة على مؤسسات المجتمع مثل المسجد، الذي أطرت رسالته بالموعظة في موضوع واحد فبات التكرار الدائم الذي تولد عنه الملل وابتعد تماما عن زرع القيم الأخلاقية والإنسانية، على الرغم من أن رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - لم يفصل بين القيم الدينية والحياتية، وكانت من أعظم الرسائل التي حملها هذا الدين قيم التسامح والآثار والعطاء والشواهد كثيرة جدا.. أخشى أن كثيرا من المثل والمبادئ فقدناها في هذا الزمن المادي، وأن مفاهيم الآثار والبذل والعطاء والتضحية تكاد تختفي حتى من الاستخدام اللفظي، فضلا عن التعامل الأخلاقي بها.