إن الدور الأسري في التربية والتوجيه النفسي أصبح يتناقص في مقابل دخول الكثير من الشركاء في تلك العمليات، ولعل أول أولئك الشركاء في الوقت الحالي هو ما يمثل مواقع التواصل الاجتماعي، في حين تراجع دور القنوات الفضائية إلى المرتبة الثانية، أما الأسرة فتأتي اليوم في المرتبة الأخيرة، وذلك بسبب المغريات التي تقدمها مواقع التواصل الاجتماعي للتفاعل الإيجابي أحيانا والانحراف الأخلاقي لمن سجل حالة من الانحراف، بمعنى أنها في النهاية جاءت لتفوق ما تقدمه الأسرة التي أصبحت في كثير من المواقع فاشلة كل الفشل في منافسة تلك المتغيرات التي سيطرت سيطرة شبه تامة على كثير من أبنائنا، بل للأسف نجد أن بعض الأسر تعتبر تفاعل أبنائها مع مواقع التواصل الاجتماعي نوعا من خصوصياتهم، وأن الأسرة ليس لديها أي صلاحية للتدخل في تلك العلاقة التفاعلية، وهذا ما يجعل الأبناء في عمرهم الحرج والخطير كالمراهقة يدمنون استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، دون أن يجدوا من يسألهم عن محتوى أحاديثهم أو حتى الجهة التي يتحدثون لها، فالأسرة أصبحت في كثير من المنازل مهمشة تهميشا تعتبر فيه أن تلك الحوارات من خصوصيات المراهق، وأنه لا حق لأحد الوالدين للتدخل في أي مما يدور، وبذلك ينشأ المراهق على ذلك مهمشا لدور والديه، وهذا يعني أن هناك حوارات مختلفة تدور في الظل على مواقع مختلفة للإنترنت، ولعل أولها مواقع التواصل الاجتماعي، وبهذا فإن احتمالية الانحراف الأخلاقي هي أمر وارد لدى البعض، لأن بناء الحصانة الداخلية لا يتساوى بين الأسر، ويختلف تقبله من مراهق إلى آخر حتى على مستوى الإخوان في المنزل الواحد، لذا فإن الدور الأسري لا بد أن يكون الموجه الأول والمشبع للأبناء عاطفيا ونفسيا، قبل أن يكون مصدرا من أهم مصادر الإحباط النفسي.
ولعل مواقع التواصل الاجتماعي تحمل ما تحمله من الإيجابيات والسلبيات، بل سلبياتها تفوق إيجابياتها لمن تعامل بها بلا وعي، حيث تنقل الكثير من الشائعات والخرافات وتنقل أيضا مقاطع الأفلام المقززة بل والمخلة بالأدب أحيانا، والفكرة هنا هي أن تدرك الأسرة كيف تعمل على أن تكون الرقيب والمرشد والمشبع من خلال تعديل وتصحيح توجهات أبنائها، ولن يتم ذلك دون أن تشعر الأسرة بأحقيتها في الدخول بودية وصداقة إلى ذلك الصرح المنيع، الذي يحارب كثير من المراهقين لنيل خصوصيته.
نحن في حاجة إلى التوعية والإرشاد من الانحرافات الأخلاقية التي أصبحت موجودة ومتعددة بسبب نقص التوعية، فالوقاية خير من العلاج، وفي كثير من الأحيان قد لا يجدي العلاج بعد استفحال المرض. إن التربية فن ومهارة، ولكن لا تزال هناك أسر نائمة، قد لا تستيقظ إلا بعد فوات الأوان.
د. نجلاء أحمد السويل
نقلآ عن صحيفة الاقتصادية