الفصل والوصل

موضوع: الفصل والوصل الجمعة أبريل 20, 2012 3:41 pm

الحمد لله , حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده
سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك
أنت كما أثنيت على نفسك
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله , خير نبي أرسله الله إلى العالم كله
بشيراً ونذيراً وداعيا إلي الله بإذنه وسراجاً منيرا
اللهم صلي وسلم وبارك عليه وعليه أزواجه وآله وأهل بيته وأصحابه
صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين

الفصل والوصل

مبحث
الفصل والوصل من المباحث المهمة في علم المعاني، فبه تظهر الصلات بين
المعاني، وتتحدد العلاقات بينها، فهو يبحث في سبب قطع العبارة أو وصلها
بعبارة أخرى، إذ الوصل: هو عطف الجملة على الجملة، والفصل: هو ترك العطف
بين الجملتين

جاء في علوم البلاغة للمراغي: الفصل والوصل هو العلم
بمواضع العطف، أو الاستئناف، والتهدّي إلى كيفية إيقاع حرف العطف في
مواقعها، أو تركها عند عدم الحاجة إليها

وقال الدكتور محمد محمد
أبو موسى في كتابه (دلالات التراكيب) عن الهدف من البحث في الفصل والوصل:
"يستهدف البحث في هذا الباب المناسبات بين المعاني، وتحديد صلات بعضها مع
بعض، وكيف ساغ أن تلتقي هذه بتلك؟ ولمَ وُصلتْ ولمَ فُصلت؟ وما نوع الصلات؟
وما درجتها؟ إلى آخر هذا البحث الذي يتدبر أعطاف الجملة والجمل، ليرى ما
بينهما وبين أعطاف جيرانها من علاقات، كما يتناول مقاطع الكلام ومفاصله عند
منتهى أجزاء معانيه، ما كبر منها وما صغر، ليتأمل هذه المقاطع ويحدد الخيط
الرفيع الغائر في ضمير الكلام، فيجمع أوله وآخره، وهل انخرط في هذا الخيط
حبات من جنس واحد؟ أو من أجناس متشابهة؟ أم كانت تسقط فيه حبات من أجناس
متباعدة؟ وهل وقع هذا البعيد في سياقه موقع القريب المأنوس فقبله السياق،
وتشربه النص، وتمكن فيه؟ أم أنه ظل فيه غريباً ناشزاً ينبو في مكانه
وتستثقله النفوس، ويتنافر به النظم أو يتشارد به الكلام؟ كيف كان يتم تأليف
المختلف؟ "

أما مواطن الفصل والوصل، فقد بيّنها العلماء في كتبهم،
وسأذكر هنا ـ باختصار ـ ما جاء في كتاب فضيلة الدكتور فضل عباس (البلاغة
فنونها وأفنانها/ علم المعاني)

مواطن الفصل
أول موجبات الفصل: كمال الاتصال: يعني أن تكون الجملة الثانية متصلة بالأولى اتصالاً كاملاً تاماً، ويندرج تحت هذا صور متعددة
1.
أن تكون الجملة الثانية مؤكدة للأولى من حيث معناها، لا من حيث الإعراب،
كقوله تعالى: {وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَـذَا بَشَراً إِنْ هَـذَا
إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ} يوسف:31

فقوله: (إن هذا إلا ملك كريم) تأكيد للجملة التي قبلها: ما هذا بشراً)
2.
أن تقع الجملة الثانية بدلاً من الجملة الأولى: كقوله تعالى: {يُدَبِّرُ
الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ} [الرعد:2]، لأن تفصيل الآيات جزء من تدبير
الأمر، فهو بدل بعض من كل
3. أن تكون الجملة الثانية عطف بيان للأولى:
كقوله تعالى: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ
أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى} [طه:120]،
فقوله تعالى: (قال يا آدم)، عطف بيان لقوله سبحانه: (فوسوس)، جاءت لبيان
الوسوسو وتوضيحها، لكن المقصود هو الوسوسة التي كانت من إبليس لآدم عليه
السلام

ثاني موجبات الفصل: شبه كمال اتصال: يعني أن تأتي الجملة
الثانية جواباً عن سؤال فُهم من الجملة الأولى، وهذا هو الغالب الأكثر، وقد
يكون السؤال مذكوراً صراحة في الجملة الأولى، من ذلك قوله تعالى: {وَمَا
أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} يوسف:53، فإن
قوله: (إن النفس لأمارة بالسوء)، إنما جاءت جواباً عن سؤال فُهم من قوله:
(وما أبرئ نفسي)، كأنه قيل: ولم لا تبرئ نفسك ـ إن كان الكلام ليوسف؟ أو:
لم لا تبرئين نفسكِ ـ إن كان الكلام لامرأة العزيز ـ؟
وهذا النوع يسمى استئنافاً بيانياً

والاستئناف
البياني يختلف عن الاستئناف النحوي، أما الاستئناف النحوي، فهو كل كلام
منقطع عن غيره، وإن شئت قلت: ما كان مبتدأ به، فالجملة الاستئنافية عند
النحويين قريبة من الجملة الابتدائية، وتأتي مقترنة بالواو وغير مقترنة
بها. وأما الاستئناف البياني، فهو ما كانت الجملة فيه جواباً عن سؤال مفهوم
من الجملة الأولى
وسمي الأول نحوياً؛ لأن بحثه في علم النحو، وسمي الثاني بيانياً؛ لأنه هو الذي يعنى به علماء البلاغة، وهذا هو الذي نتحدث عنه هنا

ثالث موجبات الفصل: كمال الانقطاع: وهذا له صورتان

أن تختلف الجملتان خبراً وإنشاءً
أن تتفقا خبراً وإنشاءً، ولكن ألا يكون بينهما جامع، ولا رابط

رابع
موجبات الفصل: شبه كمال الانقطاع: وذلك أن تكون هناك جملة مسبوقة بجملتين،
يجوز عطفها على الأولى منهما، ولا يجوز عطفها على الثانية، فتترك العطف،
حتى لا يُتوهم عطفها على الجملة القريبة منها

خامس موجبات الفصل:
التوسط بين الكمالين: يجب الفصل إذا كان الوصل يخلّ بالمعنى، وهو أن لا
نقصد تشريك الجملة الأخيرة مع ما قبلها، لأن التشريك يغير المعنى، وذلك مثل
قوله تعالى: {وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا
مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ}
البقرة:14، 15]
فإنه لو عطف هذه الجملة: (الله يستهزئ بهم)، لكان هذا
من قول المنافقين، ويصير المعنى: إن المنافقين إذا خلوا إلى شياطينهم،
قالوا: إنا معكم، إنما نحن مستهزئون، وقالوا: إن الله يستهزئ بالمؤمنين
كذلك، مع أن الجملة الأخيرة إنما هي تعقيب على قولهم، فهي من قول الله
تعالى

مواطن الوصل
أولاً: اتفاق الجملتين خبراً وإنشاءً: العطف
يقتضي أمرين: التغاير والتشريك، فإذا كانت الجملتان متغايرتين، وكان
بينهما جامع؛ فإنه يجب الوصل، كأن تكون الجملتان خبريتين أو إنشائيتين
فمثال الخبريتين: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} الانفطار:13، 14
ومثال الإنشائيتين: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} الحديد:7

ثانياً:
كون الفصل مخلاً بالمعنى: وهناك سبب آخر من أسباب الوصل، وهو أن تختلف
الجملتان خبراً وإنشاء، فيكون بينهما كمال انقطاع، وهنا يجب الفصل ـ كما
تقدم ـ، ولكن قد يكون هناك مانع من الفصل، لأنه يترتب عليه إخلال في المعنى

جــزاك الــلـ9 خيــرا الفصل والوصل 216211959