أبو معاذ محمد الطايع
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن الجزاء من جنس العمل، فمن غض بصره عن المحرمات عوّضه الله من جنس ما هو خير منه، فكما أمسك بصره عن المحرمات أطلق الله نور بصره وقلبه، فرأى به ما لم ير من أطلق بصره، ولم يغضه عمّا حرمه الله؛ "دخل رجل قد أطلق بصره فيما حرمه الله على عثمان -رضي الله عنه- فقال له: يدخل عليّ أحدكم والزنا في عينيه؟! فقال: وحي بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: لا ولكن فراسة صادقة"، ولغض البصر فوائد كثيرة منها:
1- تطهير القلب من الذنوب: قال - سبحانه وتعالى -: ﴿ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ (سورة النور: الآية: 30). قال ابن تيمية -رحمه الله-: "فجعل -سبحانه- غض البصر وحفظ الفرج هو أقوى تزكية للنفوس. وزكاةُ النفوس تتضمن زوال جميع الشرور من الفواحش، والظلم، والشرك، والكذب، وغير ذلك".
2- يورث القلب نورًا وإشراقًا: قال ابن القيم - رحمه الله -: "هذا النور يظهر في العين والوجه وفي الجوارح، كما أن إطلاق البصر يورثه ظلمة تظهر في وجهه وجوارحه وهذا - والله أعلم - ما ذكر الله - سبحانه وتعالى - في آية النور في قوله تعالى: ﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ﴾ (سورة النور: الآية: 35)، عقيب قوله تعالى: ﴿ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ ﴾ (سورة النور: الآية: 30). وجاء الحديث مطابقًا لهذا كأنه مشتق منه وهو قوله -صلى الله عليه وسلم-: ) النظرة سهم من سهام إبليس مسمومة فمن تركها من خوف الله أثابه إيمانًا يجد حلاوته في قلبه (.
3- يفتح طرق العلم: قال تعالى: ﴿ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ (سورة البقرة: الآية: 282). قال الإمام القرطبي - رحمه الله -: "وعد من الله تعالى بأن من اتقاه عَلّمه ويجعل في قلبه نورًا يفهم به".
4- شكر النعمة: البصر من أعظم النعم التي وهبها الله تعالى للإنسان لأجل أن يشكر الله المنعم وذلك باستعمال هذه النعمة في طاعة الله تعالى، فمن استعملها في غير ذلك كانت حجةً عليه وقابل النعمة بالجحود، قال -سبحانه وتعالى-: ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ (سورة النحل: الآية: 78).
هذا... والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.